العلاقة مع الوقت من منظار درة بوشوشة
هي منتجة أفلام واسم لامع في السينما التونسية والعالميّة. بدأت درة بوشوشة مسيرتها في سنٍ مبكرة جداً عبر المهرجانات السينمائية، لتشقّ طريقها لاحقاً وتصبح من أهمّ روّاد إنتاج الأفلام. وفي ما يلي تكشف لنا مؤسسة شركة Nomadis Images الداعمة لصنّاع السينما الواعدين من شمال أفريقيا والشرق الأوسط، تفاصيل عن مسيرتها الملهمة وعلاقتها الخاصّة بالوقت!
"ماذا فعلتُ؟ سرتُ بكلّ بساطة في درب حياتي مستعينةً بشغفي والتزامي ومتعتي في كلّ خطوة. وبدون هذه المقوّمات، وبخاصّة المتعة، لا يمكن تحقيق الرضى الحقيقي. وربما حالفني الحظ في بعض الأحيان طبعاً. كما لديّ علاقة خاصّة وغريبة مع الوقت. فلم أقبل يوماً بفكرة مرور الوقت كحدث مقدّر له، وكحبيبات رمل لا يمكن لمسها تتساقط من بين أصابعنا. في الحقيقة، ليس لديّ مفهوم حقيقي للوقت. وبدون تفكير عميق، لديّ إدراك خاص بالوقت. أعامله كقطعة طين وأتصرّف معه وكأنّه لا نهائي. لا أشعر بمروره فعلاً، وكأنني أعيش في بعد لا زماني. وهذا في الواقع مفهوم متناقض للوقت. فإذا كان هناك أمرٌ مستعجل مثلاً، سأعتبر أنّ لديّ كل الوقت لإنجازه، ومع ذلك، فإنّ الصفة الأبرز في شخصيّتي، والتي أعتبرها سيّئة، هي عدم الصبر. أنا لستُ صبورة لدرجة أنّني في أغلب الأوقات لا آخذ الوقت للاستماع والتركيز حتى في الأمور غير المستعجلة التي لا تستدعي نفاذ الصبر. لقد عوّدتُ نفسي على اجتياز الزمن وكأنّه دائماً أمامي وليس ورائي، وأعترف بأنّ هذا الأمر يزعج من حولي. لكنّني وبالرغم من تفويتي لبعض الرحلات وخلطي بين بعض الاجتماعات وتفويت البعض الآخر، أنجح دائماً في إنجاز كلّ شيء في الوقت المحدّد.وقد استطعتُ التعامل مع هذا المفهوم الغريب للوقت على مرّ السنين، لكنّني أعرف أنّني أزعجتُ أقاربي وزملائي بذلك.
إقرئي أيضاً: معركة مها غورتون ضد السرطان
كامرأة في عالم يُهيمن عليه الرجال، كان عليّ تلبية توقّعات من حولي الذين كانوا ينظرون إلى اختياراتي باستياء. فكان يُنظر إلى مجال السينما باستخفاف، وكنتُ أتخلّى عن مهنة التدريس من أجل ما اعتبره البعض مجرّد هواية. لقد صقلت دراستي في مدرسة للبنين فقط شخصيتي وأهّلتني للخوض في مهنة يسيطر عليها الرجال. لم أكن أعرف حينها أنّها ستكون بهذه الدرجة من الصعوبة والتطفّل واستهلاك الوقت. كنت زوجة وأماً شابّة، ولم يكن التوفيق بين الاثنين سهلاً، كما هي حال الكثير من النساء على ما أظنّ. لكنّني فعلت ذلك، إنّما كان الشعور بالذنب رفيق دربي الدائم. لطالما كان الشعور بالذنب دافعي ومحرّكي. فقد وُلدتُ ونشأتُ في منطقة ريفية حيث كان المستشفى الوحيد للأمراض النفسية في البلاد، بالإضافة إلى دار للأيتام وثكنات عسكرية وحقول مفتوحة.
كان والدي مدير دار الأيتام وأمي العاملة الاجتماعية فيه. ومنذ صغري، شهدتُ معاناة الآخرين واحتياجاتهم، فسيطر عليّ شعور كبير بالذنب منذ ذلك الحين، الذنب لأنّ وضعي كان أفضل. لكنّني تعاملتُ مع هذا الشعور تماماً كما فعلتُ مع الوقت، حيث استغللته لصالحي. وعندما أنظر إلى الوراء، أدرك أنّني وضعتُ لنفسي تحديات تُخيفني اليوم. ولكنّ شغفي بعملي وبعائلتي مكّنني من مواجهة جميع المواقف. وإلى جانب إنتاج الأفلام، فإن الجانب الأكثر مكافأةً في مهنتي هو تقديم الإرشاد ومرافقة مخرجي الأفلام من القارة والمنطقة على مدى الثلاثين عاماً الماضية. وربما ينبع هذا من مهنتي الأصلية، أي التدريس. وأعتقد أنّ هذه هي الطريقة التي تغلّبتُ بها على الشعور بالذنب، من خلال محاولة العطاء ونقل كل ما أستطيع. أظنّ أنّني نجحتُ لأنني تمكنتُ من كبح الشعور بالذنب تماماً كما تعاملتُ مع الوقت، والاستفادة منهما".
إقرئي أيضاً: الدكتورة المهندسة سعاد الشامسي: " إذا أنا استطعت فأيّ امراة تستطيع "