حدودك إلى ما بعد الفضاء! رافقينا في هذه المغامرة

هل ضاقت بك الأرض بعد فترة الحجر المنزلي الأخيرة؟ أترغبين بالقيام برحلة جديدة من نوعها؟ هل كانت دروس جغرافيا الكون تستهويك خلال أيّام الدراسة؟ هل تنظرين إلى السماء المتلألئة بالنجوم ليلاً وتحلمين بمحاكاة كواكب أخرى وباستكشاف الفضاء؟ استعدّي إذاً للانضمام إلينا في رحلة فريدة من نوعها إلى وجهة غير اعتياديّة!

فيما بدأنا العدّ العكسي لإطلاق الإمارات العربيّة المتّحدة "مسبار الأمل" يوم الجمعة 17 يوليو عند الساعة 12:43 بعد منتصف الليل، نترقّب بكلّ فخر هذه المهمّة الفضائيّة الأولى التي ستنطلق من مركز تانيغاشيما الفضائي الياباني. وتهدف هذه المهمّة لاستكشاف التغيّرات المناخيّة في الكوكب الأحمر حاملةً رسالة أمل إلى العالم في هذه الأوقات العصيبة بينما يعيش العالم ظروفاً استثنائيّة جرّاء تفشّي فيروس كورونا. وفيما تشاركنا معك طوال الفترة الماضية نشاطات ورحلات افتراضيّة تعزّز من إيجابيّتك وتمنحك نفحة من المرح والمغامرة في ظلّ الأزمات التي تعصف بعالمنا، سنصطحبك في ما يلي في رحلة من نوعٍ آخر تبتعدين فيها عن الأرض وتدخلين في عالمٍ مختلف تستطيعين منه تأمّلها من بعيد وإعادة النظر بكلّ عاداتك التي تؤثّر فيها!

ليس الفضاء ببعيد!

قبل التجوّل سويّةً في مجرّتنا، سنتشارك معك بعض المعلومات التاريخيّة التي ترسم علاقة الإنسان بالفضاء الخارجي. حَظيَ الفضاء الخارجي منذ زمنٍ بعيد باهتمام الإنسان. فبعض الفلاسفة والعلماء لم يشعروا يوماً أنّ الأرض تشكّل حدوداً لهم بل سعوا للإتّحاد بالكون عبر استكشاف الفضاء الخارجي وأثّروا بذلك في محيطهم وفي العالم أجمع. فتطوّر مفهوم البشريّة للفضاء الخارجيّ يوماً بعد يوم. وفيما يتميّز الكون الذي يشكّل امتداداً أوسع للفضاء بوجود مليارات الأنظمة النجميّة والمجرّات، يشتهر كوكب الأرض بانتمائه إلى المجموعة الشمسيّة التي تشمل الأرض والشمس وكواكب عطارد و الزهرة والمريخ والمشتري وزحل وأورانوس ونبتون. وهي تدور حول مركز مجرّة درب التبانة الحلزونيّة الشكل التي تشمل مئات مليارات النجوم المنفصلة. وبينما تشعرين أنّ الفضاء الخارجي المحيط بالأرض بعيداً جدّاً عنك، إلاّ أنّ حدوده ترتفع 100 كيلومتر فوق سطح الأرض فقط!

الرحلات الاستكشافيّة للفضاء

وبينما تكثّفت البعثات والرحلات الاستشكافيّة للفضاء منذ القرن الماضي، لم تطأ قدما الإنسان بعد إلاّ سطح القمر بين الأجرام السماويّة الأخرى. ففي أواخر ستّينات القرن الماضي بدأت رحلات وكالة ناسا لاستكشاف سطح القمر، وبعد تجارب عدّة منها المأهولة وغير المأهولة، نجحت رحلة Apolo 11 الشهيرة عام 1969 بالهبوط على سطح القمر وبات هذا التاريخ معروفاً للجميع. وقبل ذلك بسنتين وفي ظلّ احتدام التنافس بيْن الولايات المتّحدة الأميركيّة والإتّحاد السوفياتي في هذا المجال أُبرمَت معاهدة رسميّة باسم «معاهدة المبادئ المنظِّمة لأنشطة الدول في ميدان استكشاف الفضاء الخارجي واستخدامه» في حينها، للتأكيد على أنّ القمر ملكٌ للبشريّة كلّها إذ لا يحقّ لأيّ دولة امتلاكه. إلاّ أنّ التكلفة العالية جدّاً لتلك الرحلات الاستكشافيّة والعقبات والمخاطر المحيطة بها جعلتها قليلة نسبيّاً. وتعود آخر رحلة مأهولة إلى القمر إلى العام 1972. وقد انضمّت بعد ذلك الصين إلى المنافسة مع هذين البلدين قي ظلّ عملها الدؤوب على مشروع خاصّ لإرسال البشر إلى سطح القمر.

ومن جهة أخرى لم تتوانَ وكالة ناسا مؤخّراً عن الإعلان عن عودتها إلى سطح القمر بعد أربع سنوات. كذلك تخطّط الوكالة عينها لإرسال أوّل روّاد فضاء إلى كوكب مارس عام 2030. وبعيداً عن الأهداف العلميّة تسعى شركات عدّة للاستثمار في تعدين القمر للاستفاذة من موارده الغنيّة. كما أصبح متاحاً للمركبات التجاريّة القيام بنقل البشر إلى الفضاء وكانت شركة تقنيات استكشاف الفضاء SpaceX التي تهدف إلى تطوير وتصنيع المركبات الفضائية وتكنولوجيا الصواريخ قد أطلقت في شهر مايو الماضي صاروخ فالكون 9 من فلوريدا على متنه رائدا فضاء من وكالة ناسا. وهي المرّة الأولى التي تنقل فيها مركبة فضائية تجارية البشر إلى الفضاء. ولكن ماذا عن الرحلات السياحيّة؟ ماذا عن الشغوفين والشغوفات بهذا العالم الذين ليسوا بروّاد فضاء؟

الرحلات السياحيّة حقيقة

وفيما الرحلات العلميّة يمكنها الهبوط على سطح القمر، إلاّ أنّ الرحلات السياحيّة التي يتمّ العمل عليها تصل إلى مدار القمر فحسب. نذكر مثلاً مشروع Dear Moon Project الذي يموّله الملياردير اليابانيّ Yusaku Maezawa والمخطط له لعام 2023 ليكون السائح الأوّل في العالم إلى القمر. وتقوم شركة SpaceXبالإهتمام بالتفاصيل التقنيّة لهذا المشروع. فقد دفع شغف رجل الأعمال هذا بالقمر إلى تمويل هذه الرحلة التي ينوي اصطحاب عدد من الفنّانين الرائدين من حول العالم فيها. وذلك كي يقوموا بعد عودتهم بخلق أعمال فنيّة مستوحاة من الرحلة لإلهام الآخرين. وتبدو الرحلة إلى القمر أمراً ليس بالمستحيل مع هذه الخطوة. إلاّ أنّ أشخاصاً آخرين قد زاروا محطّة الفضاء الدوليّة كسائحين قبل Maezawa. تختلف مدّة تلك الرحلات وكلفتها بحسب بُعد الرحلة وبرنامجها. فتتراوح التكلفة بين مئات آلاف الدولارات كتلك التي تقدّمها مثلاً شركة Virgin Galactic وتخوّل الوصول إلى حدود طبقة الأتموسفير التي تفصل الأرض عن الفضاء إلى عشرات الملايين كالرحلات التي تنظّمها مركبة الفضاء Soyuz الروسيّة.

نذكر مثلاً شركة Space Adventures التي ترسل السياح إلى الفضاء بالتعاون مع برنامج الفضاء الروسي عبر شغر المقاعد المتاحة. ونذكر بينهم مؤسّس الشركة Richard Garriott الذي شارك في هذا البرنامج عام 2008 لمدّة 12 يوماً وكانت تكلفة الرحلة في حينها 30 مليون دولار. وستتضاعف في المستقبل القريب هذه الرحلات السياحية الفضائية بعد أن أعلنت وكالة ناسا عام 2019 عن بدء فتح محطة الفضاء الدولية أمام المزيد من الرحلات الخاصة.

حان دورك!

وبما أنّ زيارة الفضاء متاحة ليس لروّاد الفضاء فحسب إنّما للأشخاص العاديّين أيضاً ، يبقى العائق الوحيد هو التكلفة العالية لهذا النوع من الرحلات السياحيّة. أغمضي عينيك وتحضّري للانطلاق في هذه الرحلة ! فبعد أن تتحضّري نفسيّاً وجسديّاً لهذه المغامرة، حان الوقت لترتدي البذلة الخاصّة بروّاد الفضاء قبل التوجّه إلى كبسولة الرّكاب. إلاّ أنّه عليك الأخذ بعين الإعتبار وجوب التخلّي عن الكثير من وسائل الرفاهيّة وتلتزمي بشروط لوجستيّة عدّة مختلفة عن وسائل الراحة الإعتياديّة. وصلت الآن إلى الكبسولة والتحضيرات الإلكترونيّة جارية على قدمٍ وساق قبل الإقلاع. وها قد انطلقت! وبينما ترتفعين، ستشعرين بالسحب المتزايد لقوّة الجاذبيّة على جسمك، فتغرقين في مقعدك أكثر فأكثر ثمّ ستزداد السرعة إلى أن تصلي إلى مدار الأرض وبعدها ستشعرين أنّك تطوفين في الفضاء وتحلّقين فيه بحريّة. وفيما أنت ترتفعين ستسرحين في الأرض من فوق الغيوم وتلاحظين سمات الجغرافيا والمناخ. فترين بأمّ العين الأشكال التي ترسمها الرياح على رمال الصحارى، والتفاوت في لون الجبال فتشهدين على التغيّرات التي قام بها الإنسان والتأثير الذي تركته أعماله على كوكب الأرض من تلوّث واستهلاك للموارد الطبيعيّة.

يدور عادةً هذا النوع من الرحلات 250 ميلًا تقريبًا فوق سطح الأرض. وهنا ستبدأ مشاعرك بالإختلاط، فأنت تبتعدين عن الأرض بحثاً عن عالمٍ آخر، إلاّ أنّ هذا الفضاء الذي ستدخلينه صامت. فاسألي نفسك من بعيد: هل الخلافات والأزمات الأرضيّة لها أهميّة أمام عظمة هذا الكون ووسعه؟ أم أنّها تبدو بسيطة وزائلة؟ سيتكوّن في باطنك شعور بالوحدة مع الكون من كواكب ونجوم مختلفة بعيداً عن حدود الأرض الضيّقة. أسئلة كثيرة ستراودك. فهل فكّرت يوماً بالأعمال الفنيّة أو الثقافيّة التي سيتمّ إنتاجها عند رؤية الإنسان للفضاء والقمر؟ هل كانت الأعمال التاريخيّة المعروفة ستتغيّر لو أنّ الفنّانين الذين ابتكروها زاروا الفضاء؟ وفي هذا المكان العابق بالسواد والفراغ والبرودة حيث تتنقّل المجسمّات والكويكبات بحريّة، يمكن أن تتساءلي أيضاً عن جشع الإنسان وكلّ الخصال السيئة التي تسبّب الصراعات على الأرض. لدينا كوكب أزرق جميل يعبق بالخيرات، فماذا فعلنا به على مدار الزمن؟ ألا يحتاج إلى تنفّس الصعداء؟ وإذا استطاع الإنسان استعمار كوكب جديد، فعل سيعتمد الاستراتيجيّة عينها باستهلاك الموارد لخيْه بدون التفكير بالأجيال القادمة؟ فيأتي هذا الخروج من حدود الأرض إلى الفضاء ليذكّرنا بضرورة التّمسك بالممارسات المستدامة للمحافظة على كوكبنا الأزرق وعلى الإنسان فيه!

إقرئي أيضاً: 3...2...1 العرب إلى المرّيخ

 

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث