DIOR فنّ الألوان... Pamela Tulizo هويّة مزدوجة

مثلما نرى وجه هذه المرأة مغطى بقصاصات الصحف والشعارات، تُمحى هويّة هؤلاء النساء وتُستبدل بصورة يصوغها الإعلام.

الإعداد: Galia Loupan-Richard
التصوير: Pamela Tulizo   

Pamela Tulizo شابّة عصريّة ولدت في العام 1993 في شمال كيفو، في جمهورية الكونغو الديمقراطيّة، ونشأت في غوما التي تصوّرها وسائل الإعلام الدولية على أنّها "مدينة الاغتصاب". وبطبيعة الحال، من المحبط أن تصبحي امرأة في مثل هذه البيئة، وأن ينظر إليك العالم الخارجي على أنّك ضحية أبديّة. ومع ذلك، فإنّ Tulizo مقاتلة: فبالرغم من كلّ الصعاب، وبفضل حيازتها جائزة ديور للتصوير الفوتوغرافي Prix Dior de la Photographie، وصلت رسالتها عن الحقيقة والأمل إلى جميع أنحاء العالم.

من جهة، نرصد امرأة نظيفة وواثقة من نفسها، ومن جهة أخرى امرأة قذرة وتبكي. إنّهما وجها المرأة في كيفو، ولا ينبغي لأيّ من هاتين الجهتين أن تخفي الأخرى.

لماذا سميت هذا المشروع Double Identity, Women Of The Kivu أي "الهويّة المزدوجة، نساء كيفو"؟
اخترت هذا الاسم للمشروع لأنّني امرأة من كيفو، ووجدت أنّه من المؤلم أن أرى صورة نساء مثلي مرسومة بشكل كاريكاتوريّ ساخر. فالواقع أنّ غوما ذات سمعة سيئة جداً وتشمل الحرب والعنف واللاجئين والأمراض... ونرى النساء دائماً في قلب هذا العنف، ويُنظر إليهنّ على أنهنّ ضحايا بالمطلق. وبالطبع هذا كلّه صحيح، إنّما ثمة حياة إلى جانب ذلك، وتتمثل تلك الحياة بنساء جميلات يرغبن أيضاً في أن يُمثلنّ بأملهنّ وابتسامتهنّ وموهبتهنّ وقوتهنّ. لذلك، أردت أن أظهر التناقض بين هاتين المرأتين بطريقة معاصرة جداً.

تستعرض صورة المرآة هذه أحلاماً خارج ما هو متوقع تقليديّاً من النساء: أي البقاء في المنزل والطهي والتنظيف وإنجاب الأطفال. لكن هذه المرأة لديها أحلام معاصرة بالعمل في بيئة ذكوريّة وبالنجاح. "أردت كسر القيود المفروضة على النساء، لأنّني أعرف كيف يشعرن. إلّا أنّني أصبحت مصوّرة أنثى، لذلك أعرف أنّه بإمكانهنّ القيام بذلك."

ماذا يعني أن تولد امرأة في منطقة كيفو؟
ولدت في عائلة كبيرة متعدّدة الزوجات. حيث كان لوالدتي 7 أطفال، لكن لديّ أيضاً الكثير من الإخوة غير الأشقّاء والأخوات غير الشقيقات، إلّا أنّني لا أعرف أعدادهم بالضبط. لقد نشأت محاطة بالنساء:من الأخوات إلى الأمّهات والخالات وبنات العمّات وبنات الخالات... كنت طفلة هادئة جدّاً وشديدة الانتباه، لدرجة أنّني تعلّمت من خلال النظر، وراقبت والدتي على وجه الخصوص لأنّها امرأة قوية بشكل لا يصدّق. ولا داعي لأقول كم كان الأمر صعباً على والدتي، لا سيّما أنّها أصغر الزوجات. وبالرغم من أنّها كافحت، إلّا أنّها رفعت رأسها دائما ولطالما جسّدت قوّة شخصيّتها مثالاً لي. وناهيك عن أنّ والدتي مثلت مصدر إلهامي، غير أنّ طِباع والدي الصعبة هي التي دفعتني إلى تركيز عملي في التصوير الفوتوغرافي على النساء.إذ كان منعزلاً ومتسلّطاً جداً. وعندما أخبرته أنني أريد أن أصبح مصوّرة، قال لي "لا يمكنك فعل ذلك، إنّه عمل خطير. إنّه عمل للرجال وأنت مجرّد امرأة". حينها شعرت بالغضب، ولكنّه جعلني أفكر في هويّتي ومن أنا. ووالدتي هي من أنقذتني: فعندما خرجت لالتقاط الصور، أخبرت والدي أنّها أرسلتني في مهمة ما، كي لا يعرف مكاني. وبالفعل، لو لا أمّي ، لما كنت المرأة التي أنا عليها الآن، فالنساء في قلب عملي.

الآن بعد أن أصبحت مصوّرة محترفة وفزت بهذه الجائزة، هل تغّير موقف والدك تجاهك؟
لست متأكدة ما إذا يقبلني والدي حقاً، لكنّني أشعر بأنّه بدأ يفخر بي قليلاً. فالآن بات يمكنه أن يقول: "ابنتي مصوّرة". وعندما أناقش عملي معه، أحاول أن أشرح له ما أفعله بخصوص النساء، وكيف أقوم بعملي ولماذا. حتى الآن، ما زال لا يفهم طبيعة عملي إلّا أنّ شيئاً ما بدأ في الظهور لديه.

نلاحظ أنّ أمام المرأة القويّة والأنيقة ميكروفون واحد فحسب، بينما ميكروفونات كثيرة وُضعت أمام اللاجئة. ونظراً إلى أنّها أضعف، تحبّها وسائل الإعلام التي يمكنها أن تستغلّها، في حين تتجاهل من يتمتّع بالإستقلاليّة والسلطة.

كيف أصبحت مصوّرة فوتوغرافيّة؟
بدأت عملي كصحفيّة، لأنّني لم أرَ شيئاً صحيحاً. لذا أردت محاولة تغيير الأوضاع، ورغبت في قول الأمور كما رأيتها. إنّما سرعان ما أدركت أنّه ليس لدي حرية التعبير، إذ عملت في منفذ إخباري محليّ وتحتم عليّ أن أفعل ما أخبروني به، وفي هذا الصدد رفضوا معظم القصص التي عرضت تغطيتها. لذلك اعتقدت أنّ التصوير الفوتوغرافي سيمنحني حريّة العمل لنفسي، وسيسمح لي بأن أقول ما أريد. وفي الحقيقة، لا توجد مدرسة للتصوير ولا أكاديميّة فنيّة في غوما. لذلك اتصلت ببعض المصوّرين الذين التقيت بهم كصحفية شابة، ووافق أحدهم على إرشادي، وهو مصور موهوب للغاية يُدعى Martin Lukongo، فعلمني الأساسيّات وتقنيّة التصوير. في البداية، استخدمت كاميرا هاتفي ثمّ أعارني Martin بعض المعدّات لفترة من الوقت، إذ ليس من السهل العثور على الكاميرات ومستلزمات التصوير في غوما. ثمّ حصلت على منحة دراسيّة في مدرسة في جنوب إفريقيا. والآن، بات لدي شهادة، لكن الأيّام الأولى كانت صعبة جدّاً بالفعل، فأنا امرأة صغيرة وكان عليّ أن أقاتل ليأخذني المجتمع المحلي للمصوّرين، الذين كانوا جميعاً من الرجال، على محمل الجد.
وبفضل هذه التجربة، فإنّ صوري تتحدّى الصحافة الدوليّة لتتطلّع إلى ما وراء الحرب وما وراء العنف، وتعرض الصور الإيجابيّة وقصص النجاح أيضاً. فحتى إن كنتِ لاجئة، وحتى لو تعرضت للاغتصاب، فهذا لا يعني أنّك مدمرة، بل لا يزال لديك أمل. والواقع أنّ كلّ ما يقال عن الكونغو كتبته أقلام أجانب، أي من ليس كونغوليّاً. وأعتقد أنّ الوقت قد حان لأفريقيا أن تكتب قصّتها الخاصّة. فأنا كونغوليّة من غوما، وبطبيعة الحال ستكون وجهة نظري مختلفة عن وجهة نظر شخص من الخارج لا يعرف حقيقة هذه المدينة. من هنا، أردت أن أظهر كيف تنظر الصحافة إلى الواقع وتعكسه بشكل مشوّه، كما أردت أن أعكس الهويّة المزدوجة للمرأة في غوما.

إذاً أنت تعبّرين عن هذه الهويّة المزدوجة بصريّاً، لا سيّما من خلال الملابس؟
أنا مهتمّة جداً بالملابس وأحبّ الموضة والألوان. إنّما لم يكن هذا متعلّقاً بالموضة فحسب، بل بالهويّة أيضاً. بحيث رأيت حاجة لجعل كل شخصيّة وكل قصّة موجودة من خلال الإكسسوارات. وأعتقد أنّ هذا أهمّ عنصر في سلسلة صوري. كذلك، احتجت إلى عين ثاقبة لاختيار الملابس والأزياء التي كانت مدروسة جداً بدورها. إلى جانب كل ذلك، كنت بحاجة إلى تمثيل هذه المرأة بطريقة كونغوليّة، على طريقة كيفو، لكن كان عليها أيضاً أن تكون معاصرة وحديثة. فالنساء أنيقات في المكان الذي أتينَ منه، فهنّ ينسقنّ مظهرهنّ بشكل جيّد جدّاً، والموضة تتطوّر في غوما، حيث ثمّة مصمّمين وعارضات وعلامات تجاريّة.

تستعرض صور المرآة هذه أحلاماً خارج ما هو متوقع تقليديّاً من النساء: أي البقاء في المنزل والطهي والتنظيف وإنجاب الأطفال. لكن هذه المرأة لديها أحلام معاصرة بالعمل في بيئة ذكوريّة وبالنجاح. "أردت كسر القيود المفروضة على النساء، لأنّني أعرف كيف يشعرن. إلّا أنّني أصبحت مصوّرة أنثى، لذلك أعرف أنّه بإمكانهنّ القيام بذلك."

اليوم، بعد تلقّيك جائزة من دار أزياء مرموقة، هل تعتقدين أنّ صورك ستظهر في جميع أنحاء العالم؟
كان هذا هدفي منذ البداية. إذ أردت رؤية صوري في كلّ مكان. فبالنسبة إليّ، هذه الجائزة بمثابة مكبّر صوت لعملي، إنّها منصّة انطلاق لمشاريعي، خصوصاً تلك الصور التي أعتبرها مهمة جداً والتي صنعتها خصيصاً للعالم الخارجي. فمن خلالها، أدعو جميع وسائل الإعلام والصحفيّين والفنّانين إلى رؤية الجانب الآخر من الحياة في غوما في الكونغو، بدون تصويرها بصورة ساخرة أو جعلها تبدو ضحية. فاليوم تحتاج صورة أفريقيا إلى التخلّص من استعمارها. وأريد أن أطلب من النساء، بما أنّ عملي كلّه يدور حول الهوية الأنثويّة، أن يؤمنّ بأنفسهنّ ويدركنَ قوتهنّ وجمالهنّ.

بالحديث عن إنهاء الاستعمار، طلبت الكونغو مؤخراً من بلجيكا الإعتذار عن جميع الجرائم التي ارتكبت في عهد الملك ليوبولد الثاني. كيف تشعرين حيال ذلك؟
شخصيّاً، أعتقد أنّ الوقت قد حان لإعادة كتابة التاريخ والمضي قدماً وتحمّل المسؤوليّة.صحيح أنّه ثمة أخطاء وجرائم ارتُكبت. إنّما الآن هو الوقت المناسب لفعل الأمور بشكل مختلف ونسج علاقات جديدة بشكل جذري. وبالطبع، كانت العبوديّة والإستعمار حقيقة، إلّا أنّ طلب العدالة لا يكفي إذا ما ارتكبنا الأخطاء نفسها مراراً وتكراراً. إذاً أجل، أظنّ أنّ الوقت قد حان للتعرف إلى أنفسنا كبشر وإعادة كتابة التاريخ بتحالفات جديدة واعتبار جديد لإنسانيّتنا.

ما الخطوة التالية بالنسبة إليك؟
حاليّاً، إنّني عالقة في بلجيكا بسبب الوباء، بعدما أتيت إلى هنا بإقامة فنّان. وطبعاً أريد العودة إلى غوما بأسرع ما يمكن، لأنّه لديّ مشروع كبير أريد أن أبدأ به. حيث أرغب في إنشاء مساحة لتعليم حقوق المرأة في غوما، مساحة للمشاركة والتعليم وتعلّم الفنّ والتصوير والسينما والصحافة والرقص والكلمات المنطوقة... إذ ليس الجميع محظوظين في الحصول على منحة دراسيّة، لذلك نحن بحاجة إلى أشخاص من الخارج ليأتوا إلينا، لا سيّما النساء اللواتي يمكنهنّ مشاركة تجاربهنّ مع فتيات غوما.وكثيرات يرغبن في القيام بأمور جمّة ويطمحن إلى أن يكنّ شخصيّات مهمة، إنّما ليس مِن مدرسة فنون في غوما. في الواقع، منذ عامين وأنا أبحث عن تمويل ومساحة لمشروعي. وستسمح لي هذه الجائزة بإطلاقه على أرض الواقع. إنّما بالطبع، هذا ليس كافياً، إلّا أنّها بداية حتماً. وأُهدي جائزتي لجميع النساء في غوما ولجميع الفتيات في شمال كيفو. 

Viviane SASSEN - رئيسة لجنة التحكيم
"في اللحظة التي رأيت فيها أعمال باميلا، فتنتني. إذ من النادر جدّاً العثور على مصوّرة شابّة من هذا المكان من العالم، تصنع صوراً تتحدّث عن قوّة المرأة وفخرها في مكان تحتاج فيه النساء إلى الكفاح بجدّ من أجل حقوقهنّ وعادةً ما تكون الحياة صعبة بشكل عام. إنّها صوت جديد لا بدّ من أن يُسمع، خصوصاً عندما نفكّر في النسويّة الشاملة. لكن بصرف النظر عن ذلك، فإنّ صورها ببساطة جميلة وقويّة ومقنعة. وأحبّ الطريقة التي تعدّ فيها المشهد، وأعتقد أنّها تبتكر أسلوباً شخصيّاً لا يتّبع الصيحات الحالية لا بل إنّه فرديّ بحقّ".

Simon BAKER - مدير الدار الأوروبيّة للتصوير الفوتوغرافي
"أجمعت لجنة تحكيم جائزة Dior للتصوير الفوتوغرافي والفنون البصريّة لعام 2020 على دعمها لعمل الفائزة Pamela Tulizo وحماسها تجاهه. بحيث يتحدّث عملها الفوتوغرافي ببلاغة عن أسئلة الأداء والهويّة التي تعتبر مفتاح تجربتها كفنّانة شابّة تعمل في جمهوريّة الكونغو الديمقراطيّة اليوم. إنّ صورها الذاتيّة المليئة بالحياة والألوان والذكاء تقترح الإمكانيّات الهائلة لوطنها وجيلها وتحتفي بها".

اقرئي أيضاً: معرضٌ لبنانيّ فرديّ جديد يحطّ رحاله في Tashkeel

العلامات: Dior Pamela Tulizo

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث