Halah AlHamrani: للوقت دور هامّ في حياة المرء، خاصّة إذا ما يتوق للنجاح والتميّز

"لديّ الكثير لأقوم به، إلّا أنّه ليس لديّ الوقت الكافي لإتمامه.... الأربع وعشرون ساعة لا تكفيني..." كم مرّة نُردّد هذه العبارة أونسمعها ممّن حولنا؟ يُقال إنّ الوقت كالمال، غير أنّنا نرى أنّه أهمّ من المال. بل هو المورد الأغلى! فإذا ضاع المال يُمكن استرجاعه، أمّا كلّ دقيقة تَمضي فلا تعود ولا يمكن استبدالها بأيّ شي. لكلٍّ منّا مفهومها للوقت وطريقتها الأنسب في استغلاله بحسب انشغالاتها اليوميّة. إلاّ أنّ العبرة تكمُن في التنظيم، فمعيار نجاح الفرد يكمُن في استثمار وقته بالطريقة الفضلى. ولأنّنا نثق بنسائنا السعوديّات الرائدات وبما أنّ نجاحهنّ هو دليل على جدارتهنّ في استخدام الوقت، قمنا بإمضاء يوم كامل مع هالة الحمراني المدرّبة الأنثى السعوديّة الأولى في الملاكمة للتعرّف على مفهومها للوقت، وكيفيّة تطوّره مع ازدياد مسؤوليّاتها العائليّة والعمليّة. فانضمّي إلينا في ما يلي لتكتشفي المزيد عن هذه السيّدة المتميّزة في مجالها ولتطّلعي على كيفيّة استغلالها للوقت.

بدأ شغفها بالفنون القتاليّة عندما كانت طفلة، وسرعان ما تجلّى للعالم أجمع عندما أصبحت المدرّبة الأنثى السعوديّة الأولى في الملاكمة. وقد أنشأت هالة الحمراني نادي Flagboxing وهو الأوّل من نوعه بتوفير تمارين في الفنون القتاليّة والملاكمة للنساء في جدّة. كذلك، هي شريكة في “Back to basics”، وهو عبارة عن نادٍ أو مخيّم لتمارين الباركور البهلوانيّة. فأمضينا يوماً في حياة هذه المرأة السعوديّة لنكتشف كيف تنجح في الاستفادة من وقتها بأفضل طريقة ممكنة. ونظراً لأنّها تربيّ طفلاً فيما تتولّى إدارة ناديَين، سألناها عن نظرتها للوقت وكيفيّة تطوّرها في ظلّ هذه المسؤوليّات الإضافيّة التي تتولاّها إلى جانب خطَطِها المستقبليّة، فضلاً عن المهل الزمنيّة التي وضعتها لإنجازها.

لقد حزتِ حزاماً أسود في رياضة الفنون القتاليّة اليابانيّة الجوجوتسو في سنّ الـ16. فكيف وُلد شغفك لهذا النوع من الرياضة، الذي ليس شائعاً جدّاً عند الفتيات؟

بدأ شغفي بالفنون القتاليّة في سنّ الـ12. فتعرّفتُ على الكاراتيه حين كنت في المدرسة، ومن حينذاك استهلّيتُ تماريني في كلّ أنواع فنون القتال، كالـهابكيدو والتايكوندو ثمّ الجوجوتسو. ولطالما انجذبتُ إلى الرياضات، نظراً لأنّني كنت أعاني اضطراب نقص الانتباه في المدرسة، ودائماً ما كنتُ أشعر أنّه بما أنّ النجاح الذي لن أحقّقه في الصف، قد أتمّكن من أن أحقّقه بينما أبرع في الرياضة. فتمسّكتُ بشدّة بهذه الرياضات، خصوصاً أنّني أتمتّع بشخصيّة تنافسيّة تنعكس بصورة واضحة في مجال الرياضة.

والدك سعوديّ ووالدتك أمريكيّة، فكيف أثّر ذلك على حياتك المبكرة وملامحَ شخصيّتك وأهدافك وخياراتك المهنيّة؟

نظراً لأنّ والديّ من جنسيّتين مختلفتين، ساعد هذا الأمر والدتي في تعريفنا على أنشطة خارجة عن المناهج الدراسيّة الأمر الذي ساهم كثيراً في تربيتنا. وإن لم يحصل ذلك في السعوديّة، فكنَا نتعرّف على هذا النوع من الأنشطة حينما كنّا نذهب إلى الولايات المتّحدة ونزور عائلتها. فكنت أتابع صفوف الجمباز والرقص، التي شكّلت جزءاً كبيراً من حياتي خلال نشأتي. وبما أنّ والدي كان يملك إسطبلاً في المملكة المتّحدة، كنت أركب الخيل لفترة طويلة من حياتي، ابتداءً من سنّ السادسة وصاعداً. فساهمت الرحلات التي كانت تأخذ مكانةً خاصّة في عائلتي بمساعدتي على ممارسة تلك الهوايات والنشاطات، فضلاً عن إيمان والديّ بأنّ الأنشطة الخارجة عن المناهج هامّة.

كونكِ امرأة سعوديّة لديها الجنسيّة الأمريكيّة، ما هي الصور النمطيّة للمرأة السعوديّة المنطبعة لدى الأمريكيّين والتي تودّين تغييرها؟

نظراً لتواجدي في الجامعة في الولايات المتّحدة وفي كليْ العالمين، لاحظت أنّه ثمّة تنميط ملحوظ للمرأة السعوديّة. فلم يعي أحد أنّه يمكن للمرأة السعوديّة أن تكون منفتحة ذهنيّاً أو على استعداد لتجربة أمور جديدة. إذ يظنّ الأمريكيّون أنّنا غير قادرات على تولّي أمور حياتنا بأنفسنا. لكن لا ريب في أنّ هذا التصوير الغربيّ للمرأة السعوديّة يتبدّل في أيّامنا هذه، نظراً لأنّ البلاد تعزّز من تمكين المرأة، وبالتالي تحدث تغييرات لصالح النساء. كذلك، تسمح المملكة للعالم الغربيّ بالاطّلاع على ما يجري في البلاد، لذا يحصل الناس على صورة أكثر صحّةً عن ماهيّة النساء السعوديّات أو ما يمكنهنَّ أن يصبحنَه.

إلى جانب شغفك الخاصّ بالفنون القتاليّة، أسّستِ Flagboxing وهو نادي الفنون القتاليّة والملاكمة الأوّل والوحيد للنساء في المملكة العربيّة السعوديّة، والذي تدرّبون فيه أكثر من 120 امرأةً في الفنون القتاليّة والدفاع عن النفس والملاكمة والتمارين متعدّدة الوظائف. كذلك، إنّك معروفة بجدول أعمالك المزدحم. فما هو سرّك في تنظيم وقتك وتحديد أولويّاتك؟

لطالما كنت بارعة في إدارة وقتي، وأدين بهذا الأمر إلى والدي، الذي عوّدنا دائماً أن نكون جاهزين قبل حلول الموعد المحدّد. لذلك، فور استيقاظي في الصباح، أضع قائمة للمهام التي يتوجّب عليّ القيام بها وأقدّر كم سيستغرقني الانتقال من المهمّة الأولى إلى المهمة الثانية. فأحاول أن أخمّن كم من الوقت سيستغرق هذا الاجتماع أو الصفّ. ويتطلّب الأمر مهارة تنظيميّة، فالقدرة على إدارة جدول أعمال صحيح على مداراليوم مُناط بمدى قدرتك على التنظيم. وأحاول أن أكون منظّمة قدر المستطاع، لأنّني أسعى لإنجاز الكثير من المهام في يوم واحد فيما أهتمّ بدوام ابني المدرسيّ وأدير حياتي بصورة عامّة. إنّني أقوم بعدّة مهام في آن واحد، والحمد لله أنّني لطالما نجحت في فعل ذلك.

كيف تنظرين إلى الوقت؟ وكيف تبدّلت هذه النظرة أو تبلورت في خلال مسيرتك المهنيّة وفي ظلّ التحديات التي واجهتها على مدار السنوات العشرين الماضية؟

بغية إدارة عمل بشكل ناجح أو لبلوغ النجاح في حياتك، عليك أن تكوني منظّمة، ويتطلّب ذلك معرفة في كيفيّة إدارة وقتك. لذلك، يضطلع الوقت بدور مهمّ في حياتك، خصوصاً إن كنت تنوين أن تصبحي ناجحة. والجانب الأهمّ من الوقت يكمن في البحث عن طرق لتوظيفه الصحيح بهدف تحقيق أهدافك. وبات الوقت يمثّل الوجه الأكثر أهميّة في مسيرتي اليوم، خصوصاً أنّني اضطررت إلى تركيز الأمور حين أنشأت شركتي. فلست مالكة Flagboxing فحسب، إنّما أيضاً شريكة في Back to basics وهو عبارة عن نادٍ أو مخيّم لتمارين الوثابة البهلوانيّة. وحين أضفت مسؤوليّات جديدة على حياتي، لا سيّما تربية طفلي وإدارة ناديين، كان الوقت العامل الأهمّ في حياتي، فكان من الضروريّ إذاً أن أديره وأوظّفه بالطريقة الصحيحة.

ما هو أكثر ما تحبّين حول عملك، وتعتقدين أنّه لن يتغيّر مع مرور الوقت؟

أكثر ما أحبّه هو رؤية النساء والفتيات يتقدّمنَ وتمكّني من أن أكون جزءاً من هذا التقدّم والمساهمة فيه. ويشكّل تعليمهنَّ كيفيّة التقدّم قسماً كبيراً من سعادتي. وأظنّ أنّه أمر لن يتغيّر بالنسبة إليّ، خصوصاً أنّه دائماً ما نتعامل مع متدرّبات. وعلماً أنّه ما من أحد كامل سيُتقنَ بالكامل مهاراته، إلّا أن قدرة النّساء على تحقيق النجاح وإحراز التقدّم والحفاظ على الحبّ والشغف للنشاط هوالجزء الأفضل من يومي.

نعيش في عصر نسابق فيه الوقت، خصوصاً إذا ما تحلّينا بطموحات كبيرة. فما هي خططك المستقبليّة، وما هي المهل التي حدّدتها لإنجازها، وكيف تسعين لتحقيق ذلك؟

جزء من خططي المستقبليّة يقضي بإدارة برنامج كامل للدفاع عن النفس للمراهقين بصورة خاصّة، وبإدراجه ضمن المناهج في المدرسة والثانويّات، وكذلك للنساء على حدّ سواء. أريد القيام بذلك في خلال السنة المقبلة أو في مهلة تُقارب السنة والنصف أو ربّما السنتين. وأودّ أن أفتح فروع لـ Flagboxingفي كافّة أرجاء السعوديّة، ومن ثمّ في الشرق الأوسط. لكنّني مؤمنة بأنّ الأمور تحصل عندما يكون مقدّراً لها. وصحيح أنّني دائماً ما أسعى لتحقيقها والنضال من أجلها ولا أكفّ عن محاولة تطوير عملي وتوسيعه ليخرّج نساء مقاتلات. إلّا أنّه بحكم عيْشي في المملكة العربيّة السعوديّة، كان لا بدّ منّي أن أغيّر نظرتي لمفهوم الوقت، لأنّ الأمور دائماً ما كانت تجري بوتيرة أكثر بطءاً، نظراً لطبيعة تاريخ البلاد في مجال الرياضة، لذلك إذا ما ظننتُ أنّه سيتطلّب منّي تغيير أمور ما سنةً، أعطي نفسي سنة إضافيّة، آخذةً بالاعتبار ما قد أواجهه من تحدّيات.

كيف تساهمين كامرأة سعوديّة في تحقيق رؤية 2030 وجعل السعوديّة مثالاً يُحتذى به على جميع الأصعدة؟ وإن سنحت لك الفرصة للسفر عبر الزمن إلى العام 2030، ما هو الأمر الوحيد الذي تتمنّين أن تريه مختلفاً في حياة المرأة السعوديّة؟

مع رؤية 2030، أعتقد أنّ ما أقوم به هو التشجيع على ممارسة تمارين بدنيّة وإخفاض معدّل البدانة. لذا، إذا ما سافرت عبر الزمن إلى العام 2030، أوّد رؤية ما فعلته السعوديّة للنساء حيال هذه المسألة. وأتمنّى أن أجد عدداً أكبر من الرياضيّات وانخفاض ملحوظ لنسبة الأشخاص الذين يعانون مرض السكري والبدانة. وأظنّ أنّ هذا ما أقدّمه لمجتمعي ولبلدي، في حين أعرّفهم على رياضة لم تكن متوفّرة لهم في السابق، وأرجو أن أوسّع عملي أكثر ليطال عدداً أكبر من الإناث من حول البلاد لتنتشرالرياضة بدورها.

الفنون القتاليّة ليست بالأمر الشائع بين النساء في منطقتنا، خصوصاً أنّ بعض الأشخاص ينسبونها إلى العنف. فكيف يساعد هذا النوع من الرياضة النساء، وماذا تقولين لهنَّ لتشجيعهنَّ على ممارستها، نظراً لرغبتك في تدريبهنَّ لتتمكّني من إرسال فريق من النساء السعوديّات للمشاركة في الألعاب الأولمبيّة؟

في الكثير من الأحيان، تتقرّب منّي النساء أو يتوجّهنَ إلى النادي الخاصّ بي لأخذ صفوف في الفنون القتاليّة أو الملاكمة أو ملاكمة الرفس، وذلك لدوافع مرتبطة باللياقة البدنيّة أو الدفاع عن النفس. وما أقوله لهنَّ هو أنّ هذه الرياضة بالتحديد لا تشبه ما يتعلّمنَه في الدفاع عن النفس، لكنّها تساعدهنّ على تقوية الذهن والجسم. فستجعلك تشعرين بثقة أكبر، وهذا أمر أراه بانتظام لدى الفتيات اللواتي يأتينَ إلى Flagboxing. وسيمدّهنّ ذلك بالقوّة، وأرى أنّ هذا الأمر غاية في الضرورة للنساء ليس في السعوديّة فحسب، إنّما من كافّة أنحاء العالم، ليشعرنَ بالتمكين.

"قاتلي كالفتيات"، ما هي القصّة وراء هذا الشعار وما علاقته بالمعنى الحقيقيّ للتمكين؟

خطر لي هذا الشعار عندما كنت أحاول تسمية حسابي على الإنستجرام أو النادي الخاصّ بي. وفكّرتُ فيه في غضون 5 دقائق فحسب. فبالنسبة إليّ، ما أرغب في تعليمه للنساء، لا سيّما السعوديّات، هو أن يتحلّينَ بقوّة ذهنيّة وبدنيّة في الوقت عينه، إذ نؤمن بذلك وفي الكثير من الأحيان صُوِّرت النساء من مختلف أنحاء العالم على أنّهنَ ضعيفات بشكل عامّ أو أقلّه أكثر ضعفاً من الرجال. لذا، أن تقولي لنفسك "قاتلي كالفتيات" ليس بالأمر السيء أو ذا دلالة سلبيّة. فيجب علينا أن نأخذه من الناحية الإيجابيّة وليس السلبيّة.

إنّك رائدة في منطقة الخليج في مجالك، وبالتالي أصبحت مثالاً أعلى يحتذي به النساء السعوديّات. فبماذا تنصحين السيّدات اللواتي يرغبن في تحقيق قصّة نجاحهنّ الخاصّة؟

بالنسبة إليّ، أرى أنّ شغفي الكبير بتحقيق النجاح وإيماني بما أقوم به كانا أمرين ضرورييّن لبلوغ أهدافي وللوصول إلى ما أنا عليه اليوم، لا سيّما في النجاح الذي حقّقته مع Flagboxing. ومن الصعب جدّاً أن تحاولي بلوغ النجاح إن لم تكوني شغوفة بما تقومين به. لذا، هذا الأمر غاية في الأهميّة بالنسبة إليّ وأوصي النساء بمحاولة إيجاد ما يشغفنَ به والعمل جاهدات وعدم القبول بالرفض كجواب. وأنصحهنّ بمحاولة إيجاد أساليب لمعالجة وضعهنَّ إن يؤمنَّ حقّاً بشغفهنّ ويعلمنَ أنّهنَ لا يفعلنَ أيّ شيء بطريقة خاطئة وأنّ ما يقمنَ به سيأتي بالمنفعة لبلدهنَّ وشعبهنَّ ومجتمعهنَّ. وعليهنَّ المناضلة من أجله والسعي وراءه، فبهذه الطريقة لا يمكن لأحد ردعهنَّ.

اقرئي أيضاً: كيف تستغلّين رأسمالك الأثمن: الوقت؟!

العلامات: Halah AlHamrani

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث