Dina El Mofty:  الحقيقة أنّ النجاح والإخفاق ليسا سوى أوهاماً، فما يهمّ في الحقيقة هو سرعة تطوّرنا

​غرست دينا المفتي بذور منظّمة "إنجاز مصر" في العام 2003، بينما كانت لا تزال في أوائل العشرينات من عمرها. وبالرغم من صغر سنّها، كان الشغف بالعمل في مجال التطوير والقيام بعمل له هدف وتأثير واضح يتملّكها. ونظراً إلى تسلّحها بدافع وعزم لا يتزعزعان، استثمرت الشابّة الموهوبة تلك الطاقة في هذا المشروع الفريد من نوعه. والملفت أنّها في ذلك الوقت عندما أتيحت لها الفرصة لتأسيس "إنجاز" في مصر كانت قد تخرّجت مؤخراً من الكليّة وتزوجّت حديثاً وحملت بطفلها الأوّل. وهكذا بدأت الرحلة الحقيقيّة والتّحديات الفعليّة التي اصطحبتها! وعلى الرغم من كلّ ذلك، كانت المفتي متحمّسة جداً للفرصة التي أتيحت لها بالعمل في مجال هي شديدة الشغف به، خصوصاً أنّ بلدها مصر والمنطقة بشكل عام عانا فجوة كبيرة بين ما يتمّ تعليمه في المدارس والجامعات من جهة وواقع العالم الحقيقي واحتياجاته من جهة أخرى. وقابلت في تلك الحقبة داليا هلالي وعملتا معاً على تنمية المؤسّسة بدعم من فريق مذهل. وهكذا نجحت دينا المفتي في المشاركة في بناء منظّمة غير حكوميّة رائدة ساهمت بتمكين آلاف الطلّاب في المدارس والجامعات. وفي ما يلي، نسألها عن مسيرتها والتّحديات التي واجهتها وعن تعريفها للنجاح والفشل ومواضيع أخرى ذات صلة.

ما القيم التي حملتها معك منذ اليوم الذي شاركت فيه في تأسيس "إنجاز مصر"؟ وكيف تطوّرت الخدمات التي تقدّمونها للطلاب على مرّ السنين مع التطوّر التكنولوجي وتحديّاته؟

نحن نؤمن كفريق بقوّة المعرفة والتعليم لإحداث التغيير، كذلك فقد علّقنا قيمة كبيرة على قوة المجتمع وقدرته على جمع الناس معاً من أجل التطوّع والإرشاد ومشاركة معرفتهم وخبراتهم مع الجيل القادم، وكان تأثير ذلك وصداه كبيراً جداً. فعندما انطلقنا في العام 2003، عملنا مع 300 طالب في مدرستين بمساعدة ودعم 10 متطوعين من شركتين أيضاً. ثم بعد 15 عاماً، بتنا نؤثّرعلى حياة أكثر من 800000 طالب في جميع أنحاء البلاد، بدعم من آلاف المتطوعين من العشرات من شركات القطاع الخاص، وفي تلك المرحلة أطلقنا برنامجاً مسرّعاً تحت عنوان Startup Egypt ساعد على دعم رواد الأعمال وتمويل أكثر من 80 شركة ناشئة.

ما التحديّات المختلفة التي واجهتها في خلال هذه الرحلة وكيف نجحت في التغلب عليها؟

كنت صغيرة جداً وعديمة الخبرة في عالم الأعمال حينما بدأت هذه الرحلة الرياديّة للمرّة الأولى. لذا بطبيعة الحال، تعيّن عليّ التعامل مع الكثير من الأشخاص ذوي العقليّات المختلفة. وكثيرون بينهم لم يأخذوني على محمل الجدّ لأنّني ما زلت شابّة أو بحكم أنّني أنثى. وغالباً ما سألوني عن ربّ عملي وطلبوا التحدّث إلى شخص أكبر منّي سناً، وكان ذلك أمراً محبطاً جداً. ولكن عندما واجهت هذا النوع من المواقف، أدركت أنّني إذا تحلّيت بالثقة والشغف بما أفعله، فسيكون البعض على استعداد للاستماع إليّ وإعطائي فرصة، وعليّ أيضاً أن أكون مثابرة جدّاً وألّا أستسلم، لأنّ الأمر يتطلّب الكثير من الجهد والكدّ. وهذا مجرّد مثال واحد من بين أمثلة كثيرة واجهتها، فعندما تديرين عمليّاتك التجاريّة الخاصّة، يجب أن تكوني مستعدّة للتعامل مع جميع أنواع التّحديات على أساس يوميّ وعلى الصعيدين الخارجي والداخلي. ويتطلّب الأمر عقليّة معيّنة، إلى جانب المثابرة والإصرار والعزم من أجل المضي قدماً باستمرار، وفي خلال هذه العملية ينمو المرء كثيراً على الصعيد الشخصيّ.

بماذا تنصحين روّاد الأعمال العرب اليافعين بناءً على خبرتك الشخصيّة، حول كيفيّة التّغلب على جميع العقبات التي يواجهونها اليوم في ظلّ وباء 2020؟
تتلخّص نصائحي لهم بالعمل على أنفسهم وعلى عقليّاتهم عند مواجهة التّحديات. فهذا العام، شهد الجميع تغييرات جذريّة في حياتهم على الصعيد الداخلي أو الخارجي إن لم يكن على الصعيدين، وكان ذلك بمثابة دعوة يقظة لنا ووقتاً لنبطئ وتيرة حياتنا ونفكّر في الأمور الأكثر أهميّة. وبالنسبة إلى الكثيرين منّا، تمثّل ذلك في الوصول إلى فهم أهميّة رفاهنا وصحّتنا العقليّة في رحلتنا كروّاد أعمال، وفي إدراك أنّنا عندما نكون أقوياء من الداخل نكون أكثر قوّة من الخارج، ويمنحنا ذلك الطاقّة وصفاء الذهن للتعامل مع التّحديات بشكل أفضل والقدرة على قيادة فرق أعمالنا في فترات عدم اليقين.

ما هي عادات المرأة الناجحة الواثقة من نفسها برأيك؟

أظنّ أنّه لا بدّ لتلك المرأة أن تكون منتظمة القوى ذهنيّاً وجسديّاً وروحيّاً. بعبارة أخرى، هي المرأة التي تمارس كلّ يوم عادات تقوّي عقلها بقراءة أمر جديد أو تعلّمه. كذلك، فإنّ القيام بما يعزّز قوّتك جسديّاً بصورة يوميّة يسمح لك بتحريك جسمك، سواء كان ذلك من خلال المشي السريع أو ممارسة التمارين في صالة الألعاب الرياضيّة. وفي السياق نفسه، فإنّ الممارسات اليوميّة التي تزيد روحانيّتك وتمكّنك من التنعّم بالراحة وإدخال عقلك في الصمت لبضع دقائق عبر الصلاة أو التأمل، تجعلك منتظمة القوى ولا تفشل أبداً في تنشيطك طوال الأسبوع.

ماذا تقولين للنساء اللواتي يحلمن بالارتقاء إلى القمّة في مسيرتهنّ المهنيّة ولكن ما زلن يخشين المعتقدات النمطيّة المختلفة؟
لا تسمحي لأيّ شخص أن يشكّك فيك أو في أحلامك، وإلّا فأنت تتخلّين عن قوّتك الشخصيّة. لذا إن وجدت أنّ هذا السلم الوظيفي لا يناسبك، فابتكري سلماً وظيفيّاً خاصّاً بك وابعدي نفسك عن أيّ معتقدات نمطيّة قديمة. فإمّا أن تخلقي فرصة ريادة الأعمال الخاصّة بك وإمّا أن تنضمّي إلى مؤسّسة تمتاز بثقافة عمل إيجابيّة تتماشى ومعتقداتك.

مرّ العالم مؤخراً بتغييرات كثيرة أثّرت على تصوّراتنا للكثير من المفاهيم، من بينها معاني النجاح والفشل. هل يمكنك أن تشاركينا رؤيتك حولهما؟
أشعر بأنّنا نعلّق أهميّة كبيرة على النجاح والفشل في العالم المهني، بينما في الواقع يجب أن نصبّ تركيزنا على صحّتنا العقليّة ورفاهنا العاطفي. فما فائدة النجاح في حياتنا المهنيّة إذا كان يستنزف صحّتنا ويخلق ضغطاً هائلاً على حياتنا ويُبعدنا عن قضاء الوقت مع أحبائنا، فهل هذا يعني أنّنا خذلنا أنفسنا شخصيّاً؟ وما الذي يهمّنا أكثر؟ إنّه أمر مهمّ علينا التفكير فيه وإيجاد التوازن بين مختلف جوانب حياتنا.

كيف يصبح الفشل أفضل معلّم لنا؟ ما رأيك حول القوّة الإيجابيّة للفشل؟
إذا شعرت بريب في أمر ما أم أدركت أنّ عملاً ما لن ينجح خصوصاً بعد اختباره بطرق مختلفة، فلا داعي لمواصلة المحاولة في هذه الناحية. ثقي في حدسك وانتقلي إلى أمر آخر ... فالمفتاح هو عدم تركيز طاقتك على الإخفاقات. بل على العكس، في حال لم ينجح أمر، فتعلّمي منه وامضي قدماً.

عندما يتطلّع الشباب والشابّات إلى روّاد أعمال ناجحين، غالباً ما يفوّتون واقع أنهم واجهوا عقبات لم تكن الحياة سهلة عليهم دائماً. كيف من شأنهم أن يتعلّموا إدراك الفرص الجديدة في إخفاقاتهم؟
لا يقضي الأمر بالنظر إلى ما حدث معهم على أنّه إخفاق بقدر ما يتطلّب اعتبار التّحدي الذي يواجهونه فرصة تعليميّة. فكلّ عقبة وتحدّي نواجهه بمثابة درس نتعلّمه وجرّاء هذه المواقف، إنّنا ننمو على الصعيد الشخصي. كذلك، عليهم المثابرة بغض النظر عن مدى صعوبة الرحلة أو الحياة. فثمة نور يسطع بعد الصعاب دوماً. لذا ابقوا إيجابيّين وعازمين ولا تستسلموا! وتذكّروا أنّكم تحتاجون أحياناً إلى المجازفة بما تؤمنون به، لذا خذوا زمام المبادرة وثقوا في أنّ الله يدعمكم.

هل تعتقدين أنّ طرق النجاح والإخفاق واحدة؟ وهل يمكنك أن تشاركينا مثالاً ملموساً؟
المسألة تعتمد على منظورنا وعقليّتنا إزاء المواقف التي نمرّ بها، فإمّا أن نعتبره موقف فشل ونسترسل في التفكير فيه ونسمح له باستهلاك طاقتنا واستنزافها، وإمّا أن ننظر إليه على أنّه درس نتعلّم منه ونتجاوزه. وعلى سبيل المثال، نحن مررنا بوقت مليء بالتّحديات في بداية عملنا، حيث صادفنا ذات مرة مسؤولاً حكوميّاً رفيع المستوى يخبرنا بكلّ صراحة أنّ ما نفعله مضيعة للوقت، وكان تصوّره أنّ مشروعنا هذا محكوم عليه بالفشل لا محالة وبأنّه لن يترك أيّ نتيجة مثمرة. وبما أنّنا كنّا يافعين وسريعي التأثر، كان من السهل علينا تصديقه والانغماس في هذه العقليّة. ولكن بدلاً من ذلك، أشعل كلامه شيئاً ما فينا كما لو أنّ شخصاً قد أهان طفلنا للتوّ وهذا ما زاد من عزمنا ودافعنا. لذلك لا تتأثروا بآراء الآخرين وانصتوا دائماً إلى حدسكم.

ما الآثار التي يتركها النجاح والإخفاق على شخصيّة المرء؟
الحقيقة أنّ النجاح والإخفاق ليسا سوى أوهاماً، فما يهمّ حقاً هو مدى سرعة تطوّرنا. إذ إنّ الخطر الفعليّ يتمثّل في الوقوع ضحيّة لعقليّة الفشل تلك، بينما يجب أن نتعلّم الدرس ونواصل مسيرتنا. وليس أن نعلق في دوامة ستقضي علينا. لذلك، ركّزوا طاقتكم على ما تريدونه وليس على ما لا يريدونه، فالتركيز يصبّ في الاتجاه الذي تتدفّق طاقتكم إليه.

ماذا عن السعادة والصحّة النفسيّة طوال هذه المسيرة التي من شأنها أن تكون مليئة بفرح النجاح ذات يوم بينما تغصّ في يوم آخر بألم الإخفاق؟
أعتقد أنّ الأمر يتعلق بالتوصّل إلى إدراك أنّ رحلة الحياة تشبه الأفعوانية إلى حدّ كبير، حيث ثمة الكثير من التقلّبات، تارةً نعلو فيها وتارةً أخرى تنخفض معنوياتنا. وإذا كنت تأخذين الوقت الكافي للاستثمار في نفسك والتركيز على رفاهك، فستشعرين بمزيد من النشاط والقوة. ونتيجةً لذلك، ستتعلمين التعامل مع هذه التقلّبات بصورة أكثر فاعليّة.

دائماً ما تبدو لنا أحوال الآخرين أفضل من أحوالنا، واليوم مع وسائل التواصل الاجتماعي يتزايد الضغط علينا "لنبدو" ناجحات دائماً. كيف يمكن لكلّ واحدة منّا أن تنجح بحسب معاييرها الخاصة؟
يبقى أهمّ ما يمكن لأيّ منا القيام به يوميّاً هو الامتنان. أي أن نكون ممتنّين لكلّ ما في حياتنا والتركيز على الإيجابي فيها. إن كان ذلك من حيث الصحّة أو العائلة أو الأصدقاء، فهذا أمر أساسي جدّاً ولا يترك مجالاً للمقارنات مع الغير.

هل من وصفة سريّة للتوفيق بين الحياة الأسريّة الناجحة والحياة المهنيّة الناجحة؟
لا بدّ لي من القول إنّ الأمر يتطلّب وجود فريق دعم رائع بالفعل. وهذا أمر أقدّره كثيراً، حيث أنّ زوجي أب رائع وأنا محظوظة لتلقي المساعدة منه ومن أفراد عائلتي الذين أشعر بالامتنان لوجودهم في حياتي. إذ ثمة أيّام أحتاج فيها إلى التفرّغ للعمل تماماً بينما أكرّس أياماً أخرى للعائلة بالكامل، فضلاً عن الأيّام التي تتوازن فيها حياة الأسرة والعمل. ولكن ذلك كلّه مناط بوجود نظام دعم يمكن الاعتماد عليه وهذا ما سمح لي بالقيام بأكثر ما أحبّه وأنا ممتنّة جداً لذلك.
وحاليّاً، انتقلت إلى دور أكثر إستراتيجيّة في مجلس الإدارة داخل مؤسّستي، وقد سمح لي ذلك بقضاء مزيد من الوقت في الإرشاد والدعم والاستثمار في الأعمال التي تقودها النساء. ويسمح لي ذلك بالعمل على القضايا التي أؤمن بها، أمثال المركز التعليمي Mindvalleyللمساعدة على نشر ثقافة الوعي والرفاه مع فرق تمتاز بأداء عالٍ في جميع أنحاء المنطقة. وعلى الرغم من كلّ التّحديات التي نواجهها في العام 2020، ليس من وقت أفضل للاستثمار في أنفسنا وفي رفاهنا ونموّنا الشخصي. 

اقرئي أيضاً: Nisreen Shocair: دائماً ما ينبع الحافز والابتكار والتغيير من التّحديات والمحن

العلامات: Dina El Mofty

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث