عندما تساعد جمعيّة خيريّة ضحايا العنف حول العالم على المضي قدماً في حياتهنّ
- 01.06.2019
- إعداد: أرزة نخلة
هي سيّدة أعمال قويّة وذكيّة ومخلصة من منطقة Glasgow الاسكتلنديّة تغلّبت على تحدّيات كثيرة في حياتها في سنّ صغيرة، بما في ذلك العنف الأسريّ. ومن الصحيح أنّ Deborah Alessi كانت ضحيّة هذا العنف في علاقة سابقة، إلّا أنّها نجحت في المضي قدماً وخوض رحلتها الخاصّة للشفاء. سافرت حول العالم فيما عملت في مجال الطيران الخاصّ، ما أوصلها إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة التي تعرّفت فيها إلى زوجها الحاليّ الدكتور David Alessi الذي صادف أنّه طبيب في الجراحة التجميليّة والترميميّة متمركز في ولاية Los Angeles. وبالتالي قرّرا معاً تأسيس الجمعيّة غير الربحيّة Face Forward التي تساعد ضحايا جرائم العنف حول العالم، وما كان مجرّد فكرة منذ 11 عاماً أضحى جمعيّة خيريّة دوليّة ومرموقة. فلنكتشف معاً في هذه المقابلة كيف تساعد هذه الجمعيّة النساء اللواتي تعرّضن للعنف الأسريّ على المضي قدماً في حياتهنّ.
اقرئي أيضاً: عندما ترتقي المرأة بالساحة الفنّيّة في الخليج العربي
لا تقدّم جمعيّة Face Forward الجراحة الترميميّة لضحايا العنف الأسريّ أو أعمال العنف فحسب بل الدعم العاطفيّ أيضاً. فما أهمّيّة توفير نظام دعم محفّز وعاطفيّ للضحايا؟
بالنسبة إلى الكثير من المريضات لدينا، الندبات العاطفيّة أكثر عمقاً من تلك الجسديّة، لذا يشكّل العلاج عبر توفير الدعم العاطفيّ عاملاً رئيساً في عمليّة الشفاء. ويمكننا المساعدة على توفير الجراحة طوال الوقت، لكن إن لم تبدأ المريضة بالعمل على شفاء الضرر الداخليّ أيّ العاطفيّ الذي تسبّب به المعتدي، لن تتمكّن على الإطلاق من المضي قدماً بالكامل في حياتها بطريقة سليمة وإيجابيّة. فالدعم العاطفيّ أساسيّ في مساعدة الضحايا على كسر دورة العنف وتخطّي الحادثة ليصبحن ناجيات بدلاً من "ضحايا". في Face Forward، نريد تمكين ناجياتنا ليحقّقن الإنجازات في حياتهنّ ومساعدتهنّ على المضي قدماً في حياة صحّيّة ومفعمة بالإيجابيّة، حتّى يستطعن بدورهنّ تمكين الأخريات أيضاً.
إنّ الضحايا اللواتي يخضعن للعلاج هنّ اللواتي بالكاد يستطعن تحمّل تكاليفه. هل من شروط أخرى يجب استيفاؤها؟ وهل هنّ من يتواصلن معكما أم العكس؟
لا بدّ من المريضة أن تندرج تحت إطار مهمّتنا، أي أن تكون ضحيّة العنف الأسريّ أو الاتجار بالأشخاص أو أيّ عمل جرميّ عنيف. ثمّ تملأ طلباً نراجعه وتعلمنا فيه بأنّها لا يمكنها تحمّل تكاليف علاجها الجراحيّ. قد تتواصل معنا مباشرة عبر موقعنا الإلكترونيّ أو مواقع التواصل الاجتماعيّ لأنّها بحثت عنّا على الإنترنت أو قرأت عنّا في المجلّات أو في حوارات إعلاميّة متلفزة أخرى. ونتواصل مع البعض عبر مناصري الضحايا من الأصدقاء أو أفراد العائلة أو الجمعيّات الخيريّة الأخرى. وننظّم الحملات التوعويّة باستمرار لنعلم الجمعيّات الأخرى حول العالم التي تعنى بضحايا العنف بأنّنا على أتمّ الاستعداد للمساعدة عبر الدعم الجراحيّ. فأغلبيّة المجموعات التي تساعد ضحايا العنف والإتجار بالأشخاص لا تملك الميزانيّة الكافية لتكبّد المصاريف الطبّيّة، وهنا تؤدّي Face Forward دورها عبر مدّ يد المساعدة.
توفّر Face Forward خدمات للضحايا حول العالم. كيف تواصلتما مع المريضات من الشرق الأوسط اللواتي زوّدتماهنّ بالدعم؟
بعد مغادرتي اسكتلندا، عشت في منطقة الشرق الأوسط وعملت فيها. بالإضافة إلى ذلك، أسافر مع زوجي كثيراً وقصدنا الشرق الأوسط بالتحديد كثيراً على مدى السنوات الماضية للعمل، فهو يهتمّ بممارسته الطبّ وأنا بشركتي للعلاج الوريديّ Beverly Hills IV Therapy. فعندما تجوبين العالم، تكتشفين أنّه لا حدود للعنف بكافّة أوجهه. فالجميع حول العالم يتأثّر فيه بطريقة ما. لذا نتواصل مع الجمعيّات الخيريّة الأخرى حول العالم، بما في ذلك تلك في الشرق الأوسط التي جعلتنا نتواصل مع مريضاتنا من المنطقة في السابق. وحتّى اليوم، عالجنا مريضات من 10 دول مختلفة حول العالم ويستمرّ هذا العدد في الارتفاع. أمّا الإصابات فتختلف لكنّها لا تختصّ بمنطقة معيّنة. فبعض المريضات تعرّضن للضرب أو للطعن أو للطلقات الناريّة أو أُضرمت بهنّ النار أو تعرّضن لاعتداء رشّ الحمض وعالجنا الناجيات من هذا الأخير في 5 دول مختلفة، بما فيها الولايات المتّحدة الأمريكيّة، ما يشير إلى أنّ أنواع الاعتداءات هذه تتخطّى الحدود كافّة.
إنّ عمليّة شفاء ضحيّة العنف ليست بالسهلة بتاتاً. ما هو الإجراء الذي تتّبعونه لتوفير بيئة آمنة وسعيدة وسليمة للضحايا ومساعدتهنّ على الشفاء مع التطلّع إلى مستقبل أفضل؟
إنّ العلاج عبر الدعم العاطفيّ هو الأهمّ، ونحاول أن نضمن أنّ مريضاتنا يتفاعلن مع العلاج قبل مجيئهنّ إلى Los Angeles للخضوع للجراحة. فإن لم تتوافر هذه الموارد لدى مريضاتنا لسبب من الأسباب، ما يحصل أحياناً في الحالات الدوليّة التي نعمل عليها، تصل المريضة أوّلاً إلى الولايات المتّحدة لتخضع لعلاج نفسيّ على أسابيع عدّة قبل خضوعها لعمليّتها الجراحيّة الأولى. ولا بدّ منها أن تستمرّ في التفاعل مع هذه العلاجات قبل العمليّة وبعدها طالما لا تزال في الولايات المتّحدة. وواجهنا حتّى بعض الحالات التي ظلّ فيها المعالجون النفسيّون لدينا على تواصل مع المريضات عبر الدعم الهاتفيّ لعدّة أسابيع بعد عودتهنّ أدراجهنّ. ووفّرنا أيضاً الدعم للناجيات عبر متطوّعين وأفراد يكرّسون وقتهم لزيارتهنّ ودعوتهنّ للغداء ومشاهدة الأفلام وزيارة المواقع السياحيّة في Los Angeles، فهذه الأفعال الصغيرة تذكّرهنّ بأنّهنّ يحظين بالدعم الكافي على الرغم من أنّهنّ بعيدات عن عائلاتهنّ أو أصدقائهنّ. ويتألفّ مجلس الدعم لدينا Patient Advocacy Board من ناجيات خضعن للعناية الجراحيّة لدينا أو لا يزلن يخضعن لها حاليّاً ويساهم في توفير الدعم الهاتفيّ أو الشخصيّ وفي جعل المريضات مرتاحات أكثر.
اقرئي أيضاً: Fatima Al Shirawi: آمني بنفسك ودافعي عن مبادئك واعملي بجهد واثبتي أنّك قادرة على التفوّق والبروز
أسّست Face Forward في العام 2007 علماً أنّك ضحيّة سابقة للعنف الأسريّ. هل تحاولين عبر جمعيّتك توفير الدعم الذي احتجت إليه عندما تعرّضت للعنف؟
عندما أطلقنا Face Forward كانت مجرّد فكرة، لكن قدّم زوجي في بعض المناسبات خدماته لمساعدة ضحايا العنف عبر توفير العناية الجراحيّة المجانيّة عندما لم يستطعن تحمّل تكاليفها، كإعادة ترميم الأنف المكسور مثلاً. وكنت أفكّر آنذاك في ما قد يحلّ بهنّ إن عدن إلى معتدييهنّ وبقين في حالة الخطر وتكرّرت الحادثة أو في ما إذا كنّ يحصلن على المساعدة للمضي قدماً بطريقة سليمة وإيجابيّة. فعلى الصعيد الشخصيّ، استطعت ترك من عنّفني قبل أن يؤذيني أكثر على الصعيد الجسديّ، لكنّ الحظّ لا يحالفنا جميعاً. وأحد الأمور التي نصمّم على معرفتها من المريضات هو ما إذا تركن المعتدي. فإذا لم يحصل ذلك بعد، نتواصل مع جمعيّات شريكة لمساعدتهنّ على الانتقال إلى مسكن آمن وتوفير لهنّ خدمات الدعم.
لمنح المريضات فرصة أخرى لعيش حياة كريمة، تتعاملين مع زوجك الطبيب المرموق في الجراحة الترميميّة David Alessi الذي يتمتّع بخلفيّة في دعم الجمعيّات الخيريّة. ما هو شعورك حيال العمل معه في دعم قضيّة تكثر فيها حالات العنف الأسري بين الزوجين؟
لديّ وزوجي نقاط قوّة مختلفة في مسيرتينا المهنيّتين، فهو جرّاح لامع وأنا مسوّقة ومطوّرة أعمال ناجحة، لذا نجد التوازن المثاليّ بين الاثنين. وتتخلّل العمل مع الزوج تحدّيات بالطبع، لكنّنا فريق عمل رائع منذ 11 عاماً وطوّرنا Face Forward معاً بالإضافة إلى غيرها من المؤسّسات. فالعنف الأسريّ لا يطال النساء فحسب بل الرجال أيضاً.
تخطّطان لافتتاح فرع لـFace Forward في الإمارات العربيّة المتّحدة. هل تظنّان أنّ المنطقة تحتاج إلى منظّمات غير ربحيّة شبيهة؟
هدفنا نشر فروعنا حول العالم، إذ تحتاج كلّ منطقة إلى الدعم من منظّمات كمنظّمتنا. وعلى الرغم من أنّ الكثير من الدول تتمتّع بالموارد الطبّيّة الرائعة، تواجه غالبيّتها مرضى كثر مع الكثير من المشاكل الطبّيّة المختلفة. وقد يطبّبونهم للعودة إلى حالتهم الجسديّة الطبيعيّة فحسب، لكنّ المرضى سيواجهون الألم يوميّاً بسبب الندبات التي تذكّرهم به وبالمعتدي. فإذا تعاون أطبّاء أكثر مع جمعيّات مثلنا وقدّموا العلاج لحالة واحدة أقلّها سنويّاً، تخيّلي التأثير الذي قد نحدثه. وهذا سبب آخر لتواصلنا مع جمعيّات خيريّة أخرى لأنّنا نبحث باستمرار عن جرّاحين جدد لينضمّوا إلينا في قضيّتنا.
العنف المعنويّ والعنف العاطفيّ وجهان من أوجه العنف الأكثر شيوعاً وقد يشملان العنف الجسديّ أو لا. وبما أنّك ناجية من العنف الأسريّ، ما هي النصيحة التي تسدينها للنساء اللواتي عانين نوعاً مماثلاً من العنف؟
لا بدّ منهنّ أن يطلبن المساعدة فوراً ويثقن بصديق مقرّب أو فرد من أفراد العائلة ليدعمهنّ. فالشعور بالوحدة في هذه الحالة من أصعب الأمور، لأنّ المتعدين يحاولون التحكّم بجوانب حياتك كلّها. وفي بعض الأحيان، تصعب على الناجية مشاركة ما تمرّ به بسبب الشعور بالعار وفقدانها الثقة بالنفس الذي يشعرها به المعتدي. لذا عليها أن تأمل الهروب من هذا العنف وأن تحيط نفسها بنظام دعم يساعدها على الشعور بالأمان والمضي قدماً نحو مستقبل أفضل.
اقرئي أيضاً: Soufra احتفال بشجاعة المرأة وبروح مبادرتها
شهادات حيّة من ناجيات من الشرق الأوسط
الناجية الأولى: سارة*
سارة* امرأة أفغانيّة تعرّضت لتشوّه في وجهها بسبب العنف الأسري الذي مارسه عليها زوجها لمدّة 4 أعوام وقد خضعت لعمليّة جراحيّة قبل اللجوء إلى Face Forward لكن ولسوء الحظّ كانت لا تزال مشوّهة بشدّة وكانت بالكاد تتناول الطعام وتتنفّس. تشاركنا سارة شهادتها بعدم خضعت لأربع عمليّات جراحيّة وأمضت أشهر عدّة في العلاج النفسي أثناء تواجدها في الولايات المتّحدة:
"بعد اعتداءات زوجي الكثيرة، ساعدتني مجموعة من النساء في بلدي على الخضوع لجراحة في وجهي. من ثمّ اكتشفن جمعيّة Face Forward فقمنا بمساعدتي على الحصول على التأشيرة للسفر والخضوع للجراحة كما دفعن ثمن تذكرة السفر.اضطررت إلى وضع بناتي في دار للأيتام حيث تمّ الاعتناء بهن ولكنّني كنت خائفة على سلامتهنّ كثيراً. وحين سافرت إلى كاليفورنيا، أمّنت لي Face Forward مكانًا لأقيم فيه مع بعض النساء من أفغانستان اللواتي عاملنني كفرد منهنّ كما أمّنت لي الجمعيّة أيضاً معالجاً يتحدّث لغتي. وبعد عودتي إلى المنزل، اجتمعت ببناتي مجدّداً وأنا لا أزال حتى اليوم أتلقّى الدعم من المجموعة النسائيّة التي تساعدني في المضي قدماً في حياتي. أنا أتعلّم القراءة وأكتسب مهارات جديدة للحصول على وظيفة في وقت قريب".
أودّ أن أقول إلى كلّ النساء اللواتي يعانين من وضع مشابه لوضعي: "لا تخفن من طلب المساعدة لأنّه ثمة أشخاص قادرين على ذلك. كنت خائفة جداً وشعرت بالوحدة بعد تعرّضي للاعتداء ولم أثق بأحد. أدركت بعدها أنّ إيجاد أشخاص مستعدّين لمساعدة شخص غريب تماماً من بقعة مختلفة من العالم ليس بالأمر السهل، لذلك أنا ممتنة جدّاً للعطف الذي أبدته Face Forward وجميع أطبائها.
الناجية الثانية: منيرة*
منيرة* امرأة سودانية الأصل تعيش في الولايات المتحدة منذ العام 2012. بدأت قصّتها في أكتوبر من العام 2008 حين رفضت الزواج من خطيبها لأنّهما كانا على خلاف دائم، فاعتدى عليها بالحمض، ما أدّى إلى احتراق وجهها وعنقها وصدرها وظهرها وذراعيها كما أنّها فقدت النظر. تألّمت لوقت طويل. لازمت المستشفى في بلدها لمدّة 4 أعوام تقريباً من دون تلقّي أي علاج طبّي مفيد إلى حين ساعدها كفيل محبّ للخير في السفر إلى الولايات المتحدة لتلقّي العلاج اللازم. هكذا شاركت قصّتها معنا:
"لجأت إلى Face Forward من خلال مجموعة أخرى لا تبغى الربح بعد أن فقدت الأمل في تلقّي العلاج لمدة سنتين إضافيّتين لأنّ كفيلي توقّف عن تسديد النفقات الطبيّة. لقد أعطتتني Face Forward الأمل من جديد وأنا ممتنّة جداً وأتشكّر كلّ شخص يعمل في هذه الجمعيّة. اختبرت تجربة رائعة ولا أزال حتى اليوم أتلقّى المزيد من العلاجات الطبيّة. أقول لكلّ شخص يعاني التجربة نفسها: كن صبوراً وتحلّى بالقوّة والحماس. لقد فقدت الأمل من قبل ولكنّني سرعان ما استرجعته. قدّر المساعدات التي تتلّقاها مهما بلغ حجمها".
*الأسماء مستعارة
اقرئي أيضاً: Diana Baddar: حين نظهر للرجال ما يمكننا إنجازه في مجال التكنولوجيا، يمنحوننا الاحترام الذي نستحقّه