في هذه المقابلة الحصرية، نستكشف عالم فاطمة القديري، الفنّانة المتعدّدة المواهب التي تجمع بين الموسيقى والفنّ المفاهيمي، والتي تتألّق على غلاف عددنا هذا الشهر بأحدث إبداعات Bottega Veneta. تأخذنا فاطمة في رحلة فريدة إلى أعماق تجربتها الشخصية والفنّية، بدءاً من طفولتها في الكويت حيث نشأت في عائلة فنية، وصولاً إلى تأثّرها بحرب الخليج وتجربتها الفنّية العالمية. رافقينا إذاً فيما نغوص في أعماق أفكارها حول كيفية استخدام الفنّ كمفرّ للواقع، ونتعرّف على الروابط العائلية التي تلهم إبداعها المستمر. اكتشفي أيضاً كيف أصبحت موسيقاها وسيلة للتعبير عن الذات، وكيف تترجم تجاربها الشخصية إلى أعمال فنّية لا مثيل لها!
التصوير: Dennis Leupoldالإدارة الفنّية والحوار: Farah Kreidieh، التنسيق: Christopher Campbell، الشعر: Riad Azar لدى The Only Agency، المكياج: Ozzy Salvatiera، تصميم الموقع: Ali Gallagher، الإنتاج في الموقع: Sadie Scott، الإنتاج: Kristine Dolor
الإطلالات كلّها من مجموعة ما قبل ربيع وصيف 2025 من Bottega Veneta
لا شكّ في أنّ نشأتك في الكويت، لأب دبلوماسي سابق وأمّ فنّانة، قد منحتك منظوراً خاصّاً للحياة. كيف ساهمت هذه البيئة في صقل رؤيتك الفنّية وكيف أثّرت على أسلوبك في الموسيقى والفنّ المفاهيمي؟
لقد عملت والدتي حقاً على تربيتنا في بيئة محاطة بالفنّ. تعود ذكرياتي الأولى إلى الخربشة على ظهر المستندات الورقيّة في وزارة الاتصالات حيث كان مشغلها الفنّي. فكانت والدتي رسّامة في مجلّة الكويت التي كانت جزءاً من الوزارة، واعتادت أن تأخذ كلّ يوم كومة من الورق الذي كان يتم التخلّص منه لنستخدمه أنا وأخواتي للرسم. كانت مجتهدة وسخية جداً بلوازمها الفنّية وكتبها ومساحتها، ولطالما شجّعتنا على البقاء والرسم معها. أمّا والدي، فكان خبير الموسيقى في العائلة. كان يمتلك مجموعة من الأسطوانات المتنوّعة من حيث الأسلوب والحقبة، وقد تأثّرتُ كثيراً بذوقه في الموسيقى المعاصرة والشعبية والكلاسيكية. قد لا يستمع الآباء الخليجيون عادةً إلى أي موسيقى غير العود أو البوب العربي من جيلهم. لكنّ والدي كان يستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية الروسية والديسكو التجريبي الفرنسي والموسيقى الشعبية من جميع أنحاء العالم، وغيرها من أنواع الموسيقى. فقد تعلّمتُ منه تقدير الموسيقى والفنّ من والدتي.
كيف ترين الموسيقى التي تقدّمينها كشكل من أشكال الفنّ؟ هل تعتقدين أنّها تتعدّى الصوت فقط للتعبير عن مشاعر أو أفكار أعمق، مثل أنواع الفنّ الأخرى؟
تكون الموسيقى التي أقدّمها مفاهيمية أحياناً، لذا فهي تتضمّن أفكاراً ملموسة بالإضافة إلى المشاعر الصريحة وراءها. إنّ جمال الموسيقى بشكل عام يكمن جزئياً في مدى تجريدها، فهي تتمتع بقوة جوهريّة لا تشبه أشكال الفنّ الأخرى.
سبق وتحدّثت عن تأثير حرب الخليج الكبير على طفولتك. ما هي الطرق التي أثرت بها هذه التجربة في عملك كموسيقيّة وفنّانة مفاهيميّة اليوم؟
أعتقد أن الأمر يتعلّق بسريالية تجربة النجاة ممّا يشبه نهاية العالم في طفولتي. أن أشهد تلك الفترة وأنجو. إنه الحدث الأهم في حياتي، ويكون تأثيره مباشراً أحياناً وخفّياً أحياناً أخرى. وأعتقد أن في أعمالي كمّاً هائلاً من الحزن والشوق الذي أحمله من تلك الفترة.
في عملك Desert Strike، تستكشفين العلاقة بين تجارب الطفولة وألعاب الفيديو. كيف تتقاطع الألعاب مع مواضيع الصدمة في حياتك، وكيف تترجمين هذه التجارب في الموسيقى التي تقدّمينها؟
الألعاب هي وسيلة للهروب من الواقع وبالتالي من الصدمة. نفقد أنفسنا في عالم بأهداف وإنجازات واضحة وبسيطة ومنظّمة وتتيح لنا التحكّم الكامل بأنفسنا. خلال فترة الطفولة، كان هذا المنفذ ملفتاً جداً. وتشكّل صناعة الموسيقى بالنسبة إليّ وسيلة لمعالجة المشاعر المتقلّبة وتحويلها إلى صوت بدلاً من مجرّد الهروب منها.
بعد أن نشأت في بيئة غنية ثقافياً وذات تأثيرات متنوّعة، كيف تتعاملين مع تعقيدات الهوية في الموسيقى التي تقدّمينها، وبخاصّة إذا أخذنا بعين الاعتبار تجاربك في العيش في بلدان متعدّدة؟
لا أعتقد أنني صنعتُ أي موسيقى تتعلق بهويتي الشخصية بشكل مباشر، فهي ترتبط أكثر بالمواضيع التي كنتُ مهتمّة بها منذ فترة طويلة وبالتجارب التي عشتها.
ما أكثر ما تفتقدينه في الكويت، وكيف تتجلّى هذه المشاعر في أعمالك؟
أشتاق إلى الكثير من الأمور المتعلّقة بالكويت، ولا سيّما أمي. إنها في الواقع مكاني المفضّل لكتابة الموسيقى، وقد أنجزت الكثير من الأعمال الموسيقية في الديار.
هل قد ترغبين في الانتقال للعيش في مكان أقرب إلى عائلتك في هذه المرحلة من حياتك؟ ما مدى أهمية القرب العائلي بالنسبة إليك، سواء على الصعيد الشخصي أو الإبداعي؟
أودّ أن أكون أقرب جغرافياً من عائلتي بالطبع. فتعيش شقيقاتي في أوروبا ووالداي في الكويت. وأنا في لوس أنجلوس وهي بعيدة جداً عن الجميع. وأنوي حتماً الانتقال للعيش في مكان آخر في العام 2025، فأنا بحاجة إلى الاقتراب من الديار. أستلهم كثيراً من والدتي ثريا الباقسامي وشقيقتي منيرة القادري وهما فنّانتان تشكيليّتان. وقد تضمّن ألبومي Medieval Femme أعمال والدتي الفنّية على الغلاف، كما قمت بتأليف الموسيقى للكثير من الأفلام القصيرة لأختي على مرّ السنين.
هلّا تخبرينا عن أي مشاريع قادمة أو اتجاهات تستكشفينها سواء في الموسيقى أو الأفلام؟
أتخوّف قليلاً عندما يتعلّق الأمر بالتعليق علناً على عمل غير مكتمل. لكن هناك عملا" ممتعا" قيد التحضير للعام المقبل.
كيف ترين تطوّر موسيقاك في السنوات القادمة؟ هل هناك أي أصوات أو مواضيع جديدة ترغبين في استكشافها؟
أودّ العمل على مقطوعة رقص معاصرة، وتأليف عمل أوركستراليّ. وسأرغب أيضاً في إنشاء عمل موسيقيّ لفيلم عربيّ أو خليجيّ يوماً ما. ستكون تلك التجربة مهمّة جداً بالنسبة إليّ، ذلك بالإضافة إلى استكشاف صوت شعبيّ إلكترونيّ للموسيقى في المنطقة.
كيف ساهمت نشأتك في الكويت مع تعرّفك على وسائل الإعلام العالمية والتأثيرات الثقافية المختلفة في صقل أسلوبك المميّز؟
أعتقد أن نشأتي في الكويت في أوائل الثمانينات حتى أواخر التسعينات كانت فترة رائعة. فقد جعلتني أهتمّ بالثقافات من جميع أنحاء العالم، وأتوق إلى تجربة أكثر ممّا يمكن أن يقدّمه بلدي الصغير، مع الشعور بالامتنان لأنّني كنت محظوظة بنشأتي هناك، وبخاصّة في أسرة داعمة ومحبّة. وكان The Video Club أحد أروع الأماكن في البلد، وهو متجر يقدّم مجموعة من الأعمال الأصليّة والمسجّلة من جميع أنحاء العالم، وكلّ شيء من Anime إلى الطبل والبيس. اعتدتُ الذهاب إلى هناك في نهاية كلّ أسبوع بدون استثناء لشراء شيء ما، عادةً ما يكون شريط كاسيت أو قرصاً مدمجاً أو فيلماً على شريط VHS. ولأنّ بعض الأعمال كانت مسجّلة وغير أصليّة، استطعتُ أن أشتريها من مصروفي الخاصّ. كما أنّ المسؤول عن شراء الموسيقى والأفلام هناك كان عبقرياً فعلاً إذ تمتّع بذوق تجريبيّ. ولا تزال هذه التجربة من أكثر العوامل المؤثّرة في حياتي.
هلّا تخبرينا عن مصدر الإلهام وراء العمل الفنّي الذي ابتكرته لفعالية Bottega Veneta التي أقيمت في دبي تحت عنوان Waves؟
استوحيتُ هذا العمل من فيلم Blade Runner الأصلي من العام 1982، ومن واحدة من المقطوعات الموسيقية المفضّلة لديّ فيه للملحّن الأسطوري Vangelis.
ما هي القصة التي أردت أن يرويها عملك هذا لجمهور Bottega Veneta في الفعالية؟
أردتُ أن أبتكر عملاً يجسّد إحساس شخص يقود سيارته على طريق سريع، فيطلّ على أفق مستقبلي أثناء غروب الشمس، بينما يسترجع ذكرى حبّ ضائع.