الحوار: Galia Loupan
التصوير: Spiro Stergiou
الإطلالة كلّها من Dior
أصبحت يسرى مارديني مصدر إلهام للكثيرين. ففي السابعة عشرة من عمرها فقط، فرّت من بلدها الأم سوريا التي مزّقتها الحرب مع شقيقتها، وهما سبّاحتان تتدرّبان على أعلى مستوى. عندما تعطّل القارب الصغير الذي كانت على متنه مع 18 لاجئاً آخر في وسط البحر الأبيض المتوسط، قفزت مع أختها في الماء وسحبتا القارب إلى برّ الأمان. ووجدت أخيراً ملجأها في ألمانيا، وانتهى بها المطاف بالمشاركة في أولمبياد ريو وطوكيو.
ما هو السبب الرئيس الذي دفعك في النهاية إلى الفرار من بلدك؟
بصراحة، لم يكن هناك حدث معيّن واحد. ببساطة لم يكن العيش في سوريا آمناً. فقدنا منزلنا بعد عامين من بدء الحرب، وبدأنا باستئجار شقق أصبحت باهظة الثمن، واضطررنا للانتقال إلى مكان جديد كلّ 3 أشهر. غادر والدي للعمل كمدرّب سباحة في الأردن حيث الراتب أفضل. كما كان يتم استهداف المسبح الأولمبي الذي كنت أتدرّب فيه باستمرار لأنّه كان يُعتقد أنه قاعدة عسكرية. في إحدى المرّات اضطررت للاختباء تحت مكتبي في المدرسة. ببساطة لم يكن الوضع آمناً.
كانت القنابل تتساقط عشوائياً. فكنّا مثلاً نسير وفجأة تسقط قنبلة فنضطر للوقوف إلى جانب الطريق والانتظار حتى يهدأ الوضع ثم نكمل طريقنا وكأن شيئاً لم يكن. أصبح الأمر عادياً جداً، وهو أمر فظيع. وفي يوم من الأيام، كنت وأختي نتحدث في غرفة نومنا المشتركة وقرّرنا أنّه "قد حان وقت الرحيل". وجدنا شخصاً يثق به والدانا، وهو ابن عمّ والدي، فسمحا لنا بالرحيل.
ما هو أكثر شيء تتذكّرينه من رحلتك كلاجئة؟
ربما حقيقة أنّه كان يُنظر إلينا كمجرمين. لسوء الحظ، كان الكثير من الناس يخافون منّا، ولم يصدّقوا أن الأموال التي نحملها حقيقية. كما لو أن كون المرء لاجئاً يعني أنه لا يملك شيئاً. كنت أخاف أيضاً عندما اضطررنا إلى وضع ثقتنا في المهرّبين، بسبب كل القصص عن الاتجار بالبشر. كان ذلك مرعباً. وكذلك كان انفصالي عن أختي في جزء من الرحلة. فطالما كنت معها، شعرتُ بالأمان.
لكن في النهاية، تحلّينا بالثقة وأردنا المساعدة، ونجح الأمر. هناك دائماً الخير والشر في العالم، بغض النظر عن مكان وجودك أو هويتك. لقد قابلت الكثير من الأشخاص الرائعين. وكانت المجر مثلاً من أسوأ المحطّات بالنسبة إلينا كلاجئين، ولكن حتى هناك كان بعض الناس يحاولون مساعدتنا. عندما وصلت إلى اليونان، أتذكّر أنّنا حاولنا شراء شيء في مطعم ولم يرغبوا في خدمتنا. وكانت هناك فتاة شابّة أتت وأعطتني حذاء وأعطت صبياً صغيراً بلوزة وأخذتنا إلى منزلها لنشرب الماء. هناك دائماً خير، أينما ذهبت.
اقرئي ايضًا:الممثلة سلمى حايك تحمل شعلة أولمبياد 2024
واليوم أنت تحاولين فعل الخير في العالم... هلّا تخبرينا عن المؤسّسة التي أطلقتها؟
أطلقت المؤسّسة في 20 يونيو، اليوم العالمي للّاجئين في العام الماضي، وهي تركّز على مساعدة اللاجئين في جميع أنحاء العالم من خلال التعليم والرياضة. لقد ساعدتني الرياضة والتعلّم شخصياً في الوصول إلى ما أنا عليه اليوم، والآن أريد أن أردّ الجميل. أشعر أنّه لدي القدرة على تقديم الفرصة نفسها للّاجئين الشباب حول العالم. لقد عدتُ مؤخراً من كينيا، حيث رأيت الكثير من البرامج المذهلة التي تعلّم بعض اللاجئين في المخيم كيف يصبحون مخرجين ومنتجين ولاعبي كرة قدم وكرة سلّة. لقد كان من المذهل أن أرى أنه حتى في هذه الظروف الصعبة حقاً، لا يزالون يحاولون تحقيق أحلامهم من خلال التعليم والرياضة.
لذا فإنّ هدفي هو منح أكبر عدد ممكن من اللاجئين حول العالم إمكانية تحقيق أحلامهم. لدينا الآن برامج في كينيا وفرنسا واليونان.
بالحديث عن الرياضة، ماذا تخبرينا عن المنافسة في الألعاب الأولمبية مع فريق اللاجئين؟
تشكّل الفريق عندما اجتمعت اللجنة الأولمبية الدولية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وقررتا أنه يجب إنشاء فريق لأن هناك الكثير من الرياضيّين الذين لم يكن لديهم فرق، رياضيون محترفون لم يكن لديهم جوازات سفر بسبب الحرب والنزوح. كنت واحدة من بين الأعضاء العشرة في هذا الفريق الأوّل لأولمبياد ريو. كنت في الثامنة عشرة من عمري آنذاك، وما زلت على اتصال مع الكثير من الرياضيين. في البداية، كان الأمر صعباً بالنسبة إليّ. لم أكن أريد أن يُطلق عليّ لقب لاجئة.
بالطبع، فهمت أنّني كنت كذلك بالفعل، لكنّني لم أكن أريد أن أُعرف عالمياً بذلك. لقد استغرقني الأمر بعض الوقت لأتقبّل ذلك. ولكن في النهاية، فهمت أنّ الكثير من الناس سيتطلّعون إلينا وأنّ الكثير من اللاجئين سيشاهدوننا من المخيّمات. أدركنا أن مسؤوليتنا كانت أكبر بكثير من أي رياضيّ آخر. عندما دخلت الملعب في حفل الافتتاح، شعرت أنّه لم يعد حلمي فقط. يتعلّق الأمر بتغيير شيء ما، وبإثبات أنّه يمكننا بالفعل أن نمرّ بالكثير من الصعوبات في الحياة، وقد لا نحصل بالضرورة على الحياة التي حلمنا بها، ولكن لا يزال بإمكاننا القيام بأشياء عظيمة. أمّا في أولمبياد طوكيو، فكنت قد تأهّلت للانضمام إلى الفريق السوري، لكنّني قرّرت البقاء مع فريق اللاجئين.
وما الرسالة التي تريدين مشاركتها الآن؟
رسالتي للشباب هي أن يفهموا أنه حتى لو تخيّلنا أن حياتنا ستسير في طريق معيّن، فإنّها لا تجري دائماً على هذا النحو. يجب أن نكون مرنين، وعلينا أن نتراجع للخلف، وألّا نستسلم، ثمّ نحاول مجدّداً اليوم التالي أو نجرّب شيئاً مختلفاً. أمّا رسالتي لبقية العالم، فهي: لا تنسوا أبداً إنسانية اللاجئين. ولمشجّعي الرياضيين أقول لهم: ادعموا فريق اللاجئين وتابعوا تعليقي على Eurosport هذا الصيف!
اقرئي ايضًاالزي الرسمي لكل دولة والتي ستطل من خلالها في أولمبياد باريس 2024