
لطالما نظرت نظرة احترام إلى الآخر إلى آرائه ومعتقداته، حيث نشأت على هذا المبدأ في كنف عائلة تجمع بين قطبين وديانتين مختلفتين وجنسيات متعددة. إنها السيدة جوانا الهواري بورجيلي.
السيّدة جوانا الهواري بورجيلي محامية ووسيطة تجاريّة ومدرِّبة في مجال الوساطة. كما أنّها مؤسسة ومديرة المركز المهنيّ للوساطة في جامعة القدّيس يوسف في بيروت، ووسيطة لدى الجمعيّة الأوروبيّة للوسطاء.
تمكنت جوانا من إدخال ثقافة جديدة إلى لبنان، فقد أنشأت جمعيّة "وسطاء من دون حدود" التي تترأّسها في لبنان، ما سمح لها بالانخراط تماماً في مسألة حلّ النزاعات من خلال الوساطة، ونشر الوعي لدى الجمهور حول موضوع الوساطة بين الثقافات والطوائف بمساعدة مجموعة كبيرة من المهنيّين. تحاول السيّدة جوانا تعزيز روح الإنسانيّة والتعاطف والتضامن بين اللبنانيّين الذين فرقتهم الصراعات لسنين طويلة. وهي تناضل على جميع الجبهات وفي كافّة الميادين، بدءاً من المدارس والجامعات، مروراً بأصحاب المهن الحرّة كالأطبّاء وعلماء الاقتصاد، وصولاً إلى عالم السياسة والقوى الأمنيّة.
Marie Claire حاورت السيدة جوانا وتطرقت معها إلى مواضيع عدة...
بداية كيف تُعرّفين عن " الوساطة" لمن هم على غير اطّلاع بهذا المفهوم؟
تُعتبَر الوساطة وسيلة بديلة لحلّ النزاعات. ففي حال أراد شخصان تسوية نزاع ما بينهما، يمكنهما اختيار اللجوء إلى الإجراءات القانونيّة كالإجراءات القضائيّة أو التحكيميّة، أو اختيار مسار ودي كالوساطة مثلاً. في الواقع، يسمح هذا المسار للطرفين اللذين يرافقهما وسيط حياديّ وغير متحيّز بالبحث عن حلّ مرضٍ ومناسب. ولعل ما يميز هذه العمليّة أنها سريعة وغير مكلفة، كما أنّها تتمّ في سرّيّة تامّة.
ما هي الظروف التي دفعتك إلى مسار الوساطة؟
أثناء فترة عملي كمحامية جنائيّة لدى محكمة الاستئناف في باريس، تعرّفت على مفهوم الوساطة عن طريق الصدفة، إذ توجّب عليّ حينها الدفاع عن امرأة متّهمة بالاعتداء. اقترح المدّعي، إخضاع هذه الحالة إلى الوساطة، نظراً إلى طبيعة الجريمة. فاكتشفت عندها أهمّيّة مفهوم الوساطة، لأنّ هذه العمليّة الإنسانيّة سمحت للضحيّة بإيصال صوتها، وبأن يتمّ الاعتراف بمعاناتها، وللظالمة بإدراك عواقب فعلتها، وبالتالي تحمّل مسؤوليّاتها. وقد أسرتني الوساطة لدرجة أنّني تابعت تدريباً في باريس لكي أصبح وسيطة.
في العام 2001 اتّخذت قرار الاستقرار في لبنان لإدخال مفهوم الوساطة وتطويرها لماذا؟
كنت عازمة على بناء جسور بين الأفراد بهدف إحقاق السلم الأهليّ في بلد الأرز. فأنشأت في العام 2005 جمعيّة "وسطاء بلا حدود" (MSF). أمّا في العام 2006، فأنشأت المركز المهنيّ للوساطة (CPM) في جامعة القدّيس يوسف (USJ)، والذي يهدف إلى تعزيز الوساطة في كافّة المجالات في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط.
عقدت عدّة ندوات ومؤتمرات خلال السنوات الماضية تحت إشراف المركز المهنيّ للوساطة (CPM) برأيك ما أهمّيّة انعقاد مثل هذه المؤتمرات أو الندوات؟
يكتسب المشاركون في هذه الندوات خبرات وتقنيّات مهمّة، لكنّهم يكتسبون أيضاً مهارات حياتيّة تساعدهم على الاستماع إلى الآخر والتواصل معه بشكل أفضل، وبالتالي تحسين علاقتهم به.
ما هو أكثر موقف أثّر في نفسك وكيف كان دورك فيه كوسيطة؟
بعد انقضاء الأزمة حيث يعبّر الأطراف صراحة عن مشاعرهم. دائماً ما أتأثّر بمرحلة غسل القلوب التي تؤدّي إلى تغيّر نظرة الأطراف بعضهم إلى بعض، فيدرك كلّ منهم أنّ ما من حقيقة واحدة مطلقة. لذلك أعتبر الوساطة وسيلة حقيقيّة للنضوج.
ما هي التحديات والصعوبات التي تواجهينها في عملك؟
يكمن التحدّي الأبرز في مواصلة البناء، بالرغم من انعدام الأمن والفوضى السياسيّة التي تسود لبنان أحياناً. أمّا الصعوبات الأبرز، فتتمثّل في المحافظة على أخلاقيّة الوساطة التي أعتبرها رسالة لا تجارة.
من هي جوانا الهواري خارج إطار العمل؟
أنا زوجة وأمّ لابنة رائعة تبلغ من العمر 9 أعوام.
كيف هو روتين حياتك اليوميّ؟ وكيف توفّقين بين مهامك العمليّة ومسؤوليّاتك الأسريّة؟
يصعب عليّ أحياناً إحقاق التوازن المناسب بين هذه المسؤوليّات كلّها. لكنّني أحاول على الرغم من كلّ شيء أن أمضي أوقات جميلة مع زوجي وابنتي.
كيف تصفين دورك في دعم المرأة؟
حوالي 80% من الوسطاء الذين يدرّبهم المركز المهنيّ للوساطة هم من النساء. وهنّ يعملن بجدّ على تعزيز ونشر ثقافة السلام.
كيف تجدين واقع المرأة العربيّة بوجه عام والخليجيّة على نحو خاص؟
للأسف ما زال أمامنا طريق طويل نسلكه وحقوق عدة نطالب بها، لكي يتمّ الاعتراف بكلّ فرد واحترامه بصفته إنسانا،ً بغضّ النظر عن كونه رجلاً أم امرأة.
ماذا تقدمين للمرأة من نصائح؟
اكتساب الوعي من خلال التدريب والتعلّم، والمطالبة بحقوقها من خلال الحوار واتّخاذ المواقف المناسبة.