سينما Ouarzazate

هنّ أربع نساء مغربيّات يدنّ بحياتهنّ المهنيّة في عالم السينما لصحراء Ouarzazate المغربيّة، التي تعتبر موطن السينما العالميّة منذ عقود. ويمكن المرء أن يلمس شغف هؤلاء النساء بمجرّد النظر في عيونهنّ. فسواء كنّ يعملنَ في مجال السينما أو يؤدّينَ دور الأميرة أو اللاجئة، نرى بوضوح شرارة الشغف المتّقدة في عيونهنّ. وتشكّل السينما لهنّ نافذة يسافرنَ من خلالها حول العالم من دون أن يغادرنَ صحراء Ouarzazate. هنّ بطلات السينما المجهولات اللواتي شاركنَ في أعداد لا تحصى من الأفلام. ومعظمهنّ لا يكسبنَ ما يكفي لضمان شيخوختهنّ. ومع ذلك، يشكّل حبّهنّ عملهنّ دليلاً صادقاً ومؤثّراً على عظمة الفنّ السابع.

إعداد Matteo Fagotto لوكالة Tandem Reportages

تصوير Matilde Gattoni

بفضل مناظر القصبة الخلّابة والصحراء الساكنة والجبال المغطّاة بالثلوج، تقدّم الواحة الساحرة هذه، التي يصل عدد سكّانها إلى حوالى 70 ألف نسمة، مجموعة متنوّعة من الأماكن الطبيعيّة. وتمّت الاستعانة بها في تصوير أفلام مختلفة، بدءاً بتلك الكلاسيكيّة كفيلمLawrence of Arabia  وفيلمThe Man Who Knew Too Much  للمخرج Alfred Hitchcock ووصولاً إلى الإنتاجات الحديثة الضخمة، مثل Gladiotor والمسلسلات التلفزيونيّة مثل Prison Break وGame of Thrones.

Ouarzazate، التي كانت مركزاً عسكريّاً صغيراً في السابق، تستضيف اليوم استوديوهين لتصوير الأفلام السينمائيّة المحليّة والدوليّة، إضافة إلى عدد من الفنادق الفاخرة، التي رحّبت بالممثّلين الأهمّ أمثال Cate Blanchett وRussell Crowe وGerard Depardieu. ويقع استوديوها Atlas وCLA على مشارف البلدة ويستضيفان الجزء الأكبر من التصوير في Ouarzazate. وفي العام 2015 وحده، تمّ تصوير 46 فيلماً في المغرب، ومن بينها 65٪ في Ouarzazate

سعدية غارديان

ترتدي سعدية غارديان فستاناً أرجوانيّاً أنيقاً وعمامة صفراء، وهي امرأة في منتصف عمرها وممثّلة أدوار عاديّة أو كومبارس ظهرت في أكثر من 50 عملاً من أفلام سينمائيّة ومسلسلات تلفزيونيّة وأفلام وثائقيّة. وتخبرنا: "شاركت في الكثير من الأفلام في حياتي، لكنّ ظهوري الأوّل كان في The Jewel of the Nile ولا يزال منطبعاً في ذاكرتي". وتردّد صدى كلمات غارديان داخل الجدران في الفرن المشترك الذي يأتي إليه السكّان المحليّون لتحضير الخبز التقليديّ. وقد يكون العمل ممثّلة ثانويّة صعباً جدّاً. فتسترجع غارديان الذكريات وتخبرنا وهي تبتسم: "عندما صوّرنا فيلم Hidalgo مع عمر شريف، اضطررنا إلى الركض بمحاذاة النهر في أحد المشاهد، وكنّا نرتدي الصنادل والأرض مليئة بالأشواك. وبعد تصوير المشهد مرّات كثيرة، حلّ الظلام وإذا بقدميّ تنزفان، لكنّني لم أكترث للأمر، لأنّني أشعر بأنّني أستطيع تأدية أيّ دور، لأنني أحبّ السينما". ومن بين مهارات غارديان الكثيرة، تستطيع هذه المرأة البكاء وذرف الدموع حالما يُطلب منها ذلك، فتتمتّع بخبرة واسعة في مجال التمثيل، لكنّ الأخريات مثل فاطمة بدأنَ مشوارهنّ منذ فترة قصيرة.

 

فاطمة زهراء الحسني

تتمتّع فاطمة زهراء الحسني ابنة الـ12 ربيعاً بمعالم وجه معبّرة وعينين عسليّتين ساعداها في المشاركة في أفلام عدّة حتّى اليوم. وتخبرنا الشابّة التي تجلس مع والدتها الفخورة وشقيقاتها في غرفة الجلوس بأنّها كانت تبلغ عاماً ونصف عندما شاركت في فيلمها الأوّل. أمّا الدور الأهمّ الذي أدّته الحسني حتى اليوم، فهو دورها في فيلمRock the Kasbah  للمخرج Barry Levinson، الذي صُوّر في العام 2015 والذي يشارك فيه أيضاً الممثّل Bill Murray. وفي هذا الفيلم، تؤدّي دور فتاة أفغانيّة تسرق القليل من الطحين من أحد المتاجر لتطعم والدتها الفقيرة. وتقول لنا: "أحببت هذا الفيلم كثيراً، لكنّني فضّلت المشاركة في الفيلم الوثائقيّ عن كليوباترا لأنّني أرتدي فيه فستان الأميرة الصغيرة". وبالرغم من أنّ حلمها هو أن تصبح ممثّلة عالميّة، لا تسمح لها والدتها بالتغيّب عن المدرسة لأدوار كومبارس، لكن لا تمنعها إذا كان الدور مهمّاً. وتعترف قائلة: "يتقاضى بعض الممثّلين الثانويّين حوالى 50 يورو، ما يساعدنا كثيراً".

وفيما يتوافد ممثّلون لتجارب الأداء لأدوار الكومبارس، يقع الاختيار على بعض الحرفيّات المحليّات، مثل حجيبة عجير، لتجهيز الممثّلين من أجل التصوير.

حجيبة عجير

تنتمي ابنة الـ26 ربيعاً إلى عائلة من الممثّلين، وبدأت مشوارها في عالم السينما في العام 2015، عندما عُيّنت مصفّفة شعر وخبيرة مكياج للممثّلين في فيلم الكوميديا الفرنسيّThe New Adventures Of Aladdin . وتخبرنا فيما تعمل مع شقيقتها في صالونهما الواقع على مشارف مدينة Ouarzazate: "بالرغم من أنّ العمل كان متعباً جدّاً، استمتعت كثيراً بالتجربة. توجّب عليّ البدء بالعمل منذ الساعة الثالثة فجراً، إذ اهتممت بمكياج أكثر من 400 ممثّل، وكان لا بدّ من أن يجهزوا للتصوير في الصباح". فبالنسبة إليها، العمل في مجال السينما هو بحدّ ذاته تجربة استثنائيّة. وتضحك وتقول: "هنا يجب أن نجمّل المرأة، لكن في مجال السينما نضطر أحياناً إلى فعل العكس تماماً". وأرتنا بالفعل صور الجروح والندبات التي رسمتها بالمكياج.

لكنّ العمل في السينما لا يتطلّب خبراء في المكياج وتصفيف الشعر فحسب، إذ تطوّر بعض النساء المحلّيات مهارتهنّ ليصبحنَ منتجات أفلام تماماً كخديجة.

خديجة علمي

تعيش خديجة ابنة الـ56 ربيعاً في الدار البيضاء، وهي منتجة محليّة عملت على فيلم Captain Phillips وساهمت شركتها في إنتاج مسلسل Homeland 6. وتنظر علمي بأمل كبير إلى المستقبل إذ تؤسّس حاليّاً استوديوهات للإنتاج خاصّة بها في واحة فينت، الواقعة على بعد بضعة كيلومترات من Ouarzazate. وعندما تنتهي من العمل على استوديوهات K Studios ستكون أشبه بـSkywalker Ranch الشهيرة في صناعة الأفلام، التي يملكها المخرج والمنتج الكبير George Lucas، ولو حتّى على نطاق أصغر. وتمازحنا علمي قائلة: "الفرق بين الموقعين هو أنّه يستقلّ الطوافة للتنقّل، بينما سأظلّ قادرة على التنقّل في

استديوهاتي على قدميّ". أمّا المشروع المقبل الذي ترغب في تحقيقه، فهو بناء قاعة سينما في Ouarzazate، لأنّ الغريب هو أنّ "عاصمة السينما" منذ عقود لا تملك صالات سينما.

وفي أغلب الأحيان، لا يتسنّى لممثّلات الكومبارس أن يشاهدنَ الأفلام التي يشاركنَ فيها. وعندما لا تتوافر أيّ أعمال سينمائيّة في المنطقة، تزاول أكثريّة النساء مهناً بسيطة ليكسبنَ لقمة العيش، مثل سعدية غارديان، التي تبيع الخبز وتجني ما لا يتعدّى 3 يورو في اليوم. ففقدت غارديان زوجها منذ 12 عاماً واضطرّت إلى تربية أولادها بمفردها. وبدون المال الذي تجنيه من التمثيل، ما كانت لتنجح في تأمين معيشة عائلتها. لكن يصعب عليها أحياناً تحمّل الفرق الشاسع بين حياتها الواقعيّة والأدوار التي تؤدّيها. فتقول وهي تذرف دموعاً حقيقيّة هذه المرّة: "عشت حياة صعبة جدّاً، لكنّ وضعي مشابه لوضع كثيرات غيري هنا. وفي المرّة المقبلة، أودّ أن أحصل على دور يمكّنني من تغيير حياة عائلتي وشعبي".

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث