رئيسة كرواتيا حول كأس العالم لكرة القدم والعواطف

تحدّثنا رئيسة جمهوريّة كرواتيا Kolinda Grabar-Kitarović عن تحكّمها بمشاعرها والرحلات الجويّة المستأجرة وتطلعنا أيضاً على أحلامها وأهدافها وتخبرنا عن والدَيها اللذين استطاعا تربية ابنة عالميّة.

إعداد: Anna Burashova

التصوير: Maddy Grace O

التنسيق: Gemma Bedini

المكياج: Sophia Lenore لدى Prestige Artists

الإنتاج: Raisa Murashkina

مساعد التصوير: Philipp Halfmann لدى Prestige Artists

مساعدة التنسيق: Asya Sokolova

مساعدة الإنتاج: Margarita Ponomareva

تدريم الأظافر: Gabrijela PoldrugaćوDanijela Bucalović لدى Roslyn Studio

قطع من Zagreb لا بدّ من اقتنائها

 

أسرت قلوب الناس في خلال كأس العالم في روسيا وأصبحت بنظرنا ونظر الجميع بطلة حقيقيّة.

أنا من كبار محبّي كرة القدم ونشأت محاطة بالصبية واستمتعت بممارسة هذه الرياضة وبرعت فيها أيضاً.

 

في أيّ مركز كنت تلعبين؟

لعبت دائماً في مركز الهجوم، إمّا في قلب الهجوم أو في مركز المهاجم الأيمن ويتّخذ هذان المركزان عادةً الرقمين 9 و10. بالنسبة إليّ، تشكّل الرياضة منذ طفولتي جزءاً لا يتجزّأ من الحياة. كنت فتاة رياضيّة في صغري ومارست جميع أنواع الرياضات، أمّا أصدقائي فكانوا بمعظمهم صبيان. لطالما سبقتهم جميعاً واستطعت أن أغلب بعضهم حتّى إذا ما تطلّب الأمر ذلك. وشجّعت طبعاً منتخب بلادي، وقبل بطولة كأس العالم في روسيا حضرت مباريات كثيرة للمنتخب الكرواتيّ. أتابع أيضاً إنجازات فرق البلدان الأخرى عبر الإنترنت، لكنّني أحاول دائماً حضور المباريات كافّة التي يشارك فيها المنتخب الكرواتيّ، سواء كان في رياضة كرة القدم أو كرة السلّة أو كرة الماء. ولا أجلس في المنطقة المخصّصة للشخصيّات المهمّة إنّما في الأماكن المخصّصة لعامّة الشعب، فأحبّ أن أشعر أنّني واحدة من المشجّعين العاديّين فأرتدي ألوان علم كرواتيا وأظهر عواطفي وأتبادل الانطباعات مع المشجّعين الآخرين.

اقرئي أيضاً: رئيسة كرواتيا… مثال يحتذى به

هلّا تخبرينا عن قرارك غير العاديّ برفض المال الذي يتلقّاه فريقك عادةً في كلّ يوم من الزيارات الرسميّة وشرائك تذاكرك الخاصّة للطائرة والمباراة. هل أنت دائماً صارمة مع نفسك إلى هذه الدرجة؟

دعاني الرئيس الروسيّ Putin لحضور كأس العالم في روسيا في شهر أكتوبر المنصرم عندما التقينا في Sochi. وفكّرت مباشرة في أنّني سأودّ حضور أكثر من مباراة واحدة. ولا يتوجّب طبعاً على الحكومة أن تتحمّل نفقات رحلاتي غير الرسميّة التي لا تتضمّن حضوري اجتماعات رفيعة المستوى. لذا لحضور المباراة الأولى في Nizhny Novgorod دفعت ثمن تذكرة الرحلة الجويّة المستأجرة وتذكرة المباراة بنفسي. وفعلت ذلك لسببين، أوّلهما لأنّني أردت أن أظهر تعاطفي مع المشجّعين الكرواتييّن فبعضهم اقترض المال ليسافر إلى روسيا. وبالنسبة إليهم وإليّ شخصيّاً، الجزء الأساسيّ من كأس العالم هو المنتخب الكرواتيّ وتضامنه وروح الفريق. أمّا السبب الثاني فهو أنّني أردت أن أقول لأعضاء المنتخب الكرواتيّ أنّني أثق بهم وبانتصارهم إلى درجة أنّني مستعدّة لوضع مالي الخاصّ على المحكّ. ولاحقاً عندما كنت وزملائي نزور المدن الروسيّة بصفة رسميّة، اتّخذنا قراراً مشتركاً لرفض الأموال التي نتلقّاها عادةً في كلّ يوم من زياراتنا الرسميّة. إضافة إلى ذلك، لم نستقلّ طائرة حكوميّة بل اخترنا الرحلات الجويّة المستأجرة، واضطررنا إلى الانتظار مطوّلاً في المطار والسفر طوال الليل تماماً مثل كلّ المشجّعين الكرواتيّين الآخرين.

 

هل اصطحبت عائلتك معك إلى موسكو؟

نعم ودفعت التذاكر لزوجي وابني وابنتي. تمارس ابنتي Katarina التزلّج الفنّيّ على الجليد وسافرت إلى موسكو العام المنصرم وأمضت فيها شهراً كاملاً وتعلّمت اللغة الروسيّة قليلاً. وعندما ذهبنا معاً إلى روسيا اندهشت لإتقانها اللغة، فأنا فعلاً محظوظة بولدين مذهلين.

 

وماذا تخبرينا عن قرارك السفر على نفقتك الخاصّة؟

عندما عُيّنت في منصب رئيسة الجمهوريّة الكرواتيّة، قلت للشعب: "أنا واحدة منكم، وسأكون صوتكم". وبصراحة لا أحبّذ البروتوكول الصارم. فنشأت في عائلة ذات دخل متواضع ولطالما عملت بنفسي لأكسب لقمة العيش، وأؤمن فعلاً بأنّ المال الذي يجنيه المرء بعرق جبينه يمنحه سعادة أكثر من ربح اللوتو مثلاً. لكنّني لم أربح اللوتو يوماً لذا ربّما أكون مخطئة.

اقرئي أيضاً: تعرّفي إلى رئيسة كرواتيا التي شغلت العالم

كيف تفاعلت مع نتيجة المباراة النهائيّة؟

من وجهة نظري، يمكن اعتبار المرتبة الثانية أيضاً انتصاراً كبيراً نظراً إلى ما أظهره المنتخب الكرواتيّ من شجاعة طوال المباريات ومناضلة حتّى اللحظة الأخيرة.

ومن الناحية العاطفيّة، كان شعوراً أشبه بركوب الأفعوانيّة. فمن جهة، حتّى الكرواتيّون أنفسهم لم يؤمنوا بأنّنا قد نصل إلى النهائيّات. لكن من جهة أخرى، عندما لم نفُز بالمباراة – لا أحبّ كلمة "خسارة" في هذه الحالة لأنّ اللاعبين قدّموا أداءً مذهلاً وكانوا فائزين في الصميم– حزنّا كثيراً. كنت أقف إلى جانب الرئيس Putin ورئيس الاتّحاد الدوليّ لكرة القدم السيّد Infantino والرئيس الفرنسيّ Macron. أتى إليّ اللاعبون والحزن يعلو وجوههم وكنت أفكّر في نفسي أنّه على كروتيا أن تحتفل بهذا الإنجاز. فوصلت جملة "فاز الفرنسيّون في كأس العالم وفاز الكرواتيّون بقلوب العالم" إلى جميع أنحاء العالم. لا يسعني القول إنّني شعرت بالانكسار في تلك اللحظة، لكن رأى الجميع حتماً أنّني في الصميم شعرت بالانتصار والحزن معاً. وعنذئذٍ تساقط المطر وشعرت أنّ السماوات تبكي أيضاً، كنت أنظر إلى اللاعبين وأفكّر: "فزتم بالميداليّة الفضّيّة في الرياضة الأكثر شعبيّة في العالم وتشعرون بالحزن الآن". وعندما وصل إليّ الفائز بالكرة الذهبيّة Luka Modrić، رأيت في عينيه أنّه مستعدّ للتخلّي عن جائزته واستبدالها بكأس البطولة للفريق. التحفّظ مفيد في الحياة الدبلوماسيّة لكن في تلك اللحظة في الملعب، تشاركت المشاعر نفسها مع وطني ومنتخب بلدي ولم أخجل من إظهار عواطفي.

ماذا قلت للاعبين بعد المباراة النهائيّة؟

طلبت من الرئيسين Putin وMacron والسيّد Infantino مرافقتي إلى غرف تبديل الملابس التابعة للمنتخبَين. ومع كلّ هدف كنت والرئيس Macron نهنّئ بعضنا بعضاً. لست أدري أيّ منتخب كان الرئيس Putin يشجّع، لكن لديّ بعض التخمينات. وبأيّ حال، وافقا بكلّ سرور على تهنئة المنتخبين شخصيّاً. وفي غرفة تبديل الملابس لدى المنتخب الكرواتيّ قلت: "شكراً يا شباب. قدّمتم أداءً مذهلاً، لكنّ الحظّ لم يكن إلى جانبنا اليوم". ثمّ ارتجف صوتي قليلاً بسبب الدموع التي كنت أكبتها. وتجمّع الرئيسان والسيّد Infantino حول اللاعبين والتقطنا صوراً رائعة. أمّا في غرفة تبديل الملابس لدى المنتخب الفرنسيّ فردّ اللاعبون على تهنئتي وبدأوا يصرخون "Kolinda – كرواتيا" وتأثّرت كثيراً بذلك، فهذه لحظات نعيشها مرّة واحدة في الحياة.

اقرئي أيضاً: تعرّفي إلى نجمة هوليوود Alicia Vikander

نعلم أنّك تولين الكثير من الاهتمام لتنمية الرياضة في كرواتيا. ما هي الخطوات التي تعتزمين اتّخاذها في هذا الصدد؟

كما أثبت منتخب كرة القدم الكرواتيّ أنّ بلد صغير مثل كرواتيا، التي يصل عدد سكّانها إلى 4 مليون نسمة ويوازي عدد الكرواتيّين خارج البلاد، يمكنه أن يكون في الصفّ نفسه مع القوى العظمى. وهذا لا يتوقّف طبعاً عند كرة القدم، فلطالما كانت كرواتيا بلداً عريقاً في التقليد الأكاديميّ، إذ برز فيها الكثير من العلماء والمستكشفين، بدءاً بـNikola Tesla الصربيّ الذي وُلد في كرواتيا وبات مواطناً فيها ووصولاً إلى مبتكر السيارات الكهربائيّة الخارقة Mate Rimac والطلّاب الذين يفوزون بالمراتب الأولى في المسابقات الأكاديميّة. لدينا مبتكرون وطلّاب وأساتذة وفنّانون موهوبون وأشخاص من كلّ مشارب الحياة. تعلّمنا الرياضة التركيز واختيار الأهداف ثمّ العمل على تحقيقها، وتعلّمت ذلك من تجربتي أيضاً. يظنّ المرء أحياناً أنّ لا وقت له لممارسة التمارين الرياضيّة، لكنّني قرّرت حديثاً أنّني لن أستخدم جدول أعمالي الحافل بمثابة عذر لعدم ممارستي الرياضة. فيمكن أن نكرّس دائماً ساعة أو ساعتين من الوقت للمشي أو الركض أو التدريب أو للقيام بالتمارين الرياضيّة الأساسيّة. فعندما أشعر بالتوتّر مثلاً، أبدأ بالسير على جهاز المشي بينما أستمع إلى الموسيقى. لديّ بعض الأغاني التي تحفّزني، ومنها مثلاً Vučica التي تعني باللغة الكرواتيّة "الذئبة" والتي تتكلّم عن امرأة عانت الأمرّين في حياتها لكنّها حوّلت كلّ سقوط إلى خطوة نحو الأمام. هذا المزيج بين التمارين الرياضيّة والموسيقى يمنحني طاقة لا أجدها في أيّ نشاط آخر.

ابنتي Katarina رياضيّة محترفة وتشارك في مسابقات دوليّة، أمّا ابني Luka فيحبّ الرياضة فحسب. يمارس كلاهما كرة المضرب والسباحة والتزلّج. وألاحظ أنّ ممارسة الرياضة تصقل شخصيّة الطفل وتمنحه أهدافاً في الحياة. وهكذا يبدو أنّ الجيل الجديد من الرياضيّين الموهوبين الذين سيقودون البلد إلى الشهرة.

للأسف ليست كرواتيا بلداً غنيّاً ولا يسعنا الاستثمار كثيراً في مجال الرياضة. لكنّ المصلحة منها لا ترتكز على المال فحسب. كلّ شيء يبدأ في العائلة. فاعتاد زوجي مثلاً اصطحاب ولدينا إلى صفوف الرياضة في صغرهم. وفي بعد الأسر، تقع هذه المهمّة على عاتق الجدَّين. من جهتنا، نحاول الاستثمار في البنى التحتيّة وزيادة الساعات المخصّصة للتربية البدنيّة في المدارس.

وبالمناسبة، تحدّثت مع الرئيس Putin عن مبادراتنا الرياضيّة. فلدى روسيا مدارس رائعة للجمباز الفنّيّ والإيقاعيّ والتزلّج الفنّيّ على الجليد، لكن لا نستطيع تحسين هذه الرياضات في كرواتيا. فطلبت منه المساعدة من خلال تأمين مدرّبين يمكنهم تعليم أطفال موهوبين في العطلتين الشتائيّة والصيفيّة على الأقلّ.

اقرئي أيضاً: ياسمين حمدان: قصّة امرأة لا تعرف الاستسلام

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث