تحديات أمهات

قد يكتب القدر أن تترمل الأم أو تصبح مطلقة، فتعيش في ظروف صعبة تختبر فيها صبرها وقوة إرادتها في الصمود أمام كل العقبات حتى لو أصبحت بمفردها تعيل نفسها وتتحمل مسؤولية تنشئة أبنائها. حيث تدرك الأم جيداً أنها الأكثر دراية بمتطلبات أطفالها وهي الأصلح والأولى برعايتهم. فكيف تتعامل المرأة العربية مع ظروفها المليئة بالتحديات، وما هي الحلول المطروحة التي من شأنها أن تخفف من وطأة هذا الواقع الجديد؟

قسوة الرحيل..

تتحدّث السيدة منال (37 عاماً) بأسىً عن المعاناة التي قاستها بعد وفاة زوجها فتقول: " كان زوجي موظفاً في أحد المصانع الخاصة بتعليب المواد الغذائية وراتبه كان بالكاد يغطي متطلبات حياتنا اليومية وأقساط أولادنا الثلاثة الدراسية وغيرها من الدفعات المتوجبة علينا، لذا بدأت بدوري مزاولة العمل. عملت كمدرسة للأشغال اليدوية في أحد المعاهد الخاصة، لتسير أمورنا بنمط مدروس، إلى أن تعرض زوجي في أحد الأيام لحادث مروع قضى بشكل مفاجىء على حياته. ومنذ ذلك الوقت، بدأت معركتي في مواجهة الحياة ومتطلباتها. فمن جهة كان يتوجّب عليّ البحث عن مصدر دخل آخر أعيل به أسرتي، ومن جهة أخرى لم أرغب في أن تؤثر هذه الحادثة سلباً على حياة أطفالي. لذا، حاولت التغلب على أحزاني وإخفاء دموعي، ونجحت في العثور على عمل آخر لي. فبعد انتهائي من العمل في المعهد صباح كل يوم، كنت أتوجه إلى أحد متاجر الحلوى حيث أعمل طوال فترة ما بعد الظهر على تزيين قطع وعلب الحلوى المختلفة. وبسبب اضطراري للتغيب لساعات طويلة عن المنزل، انتقلت وأطفالي للسكن في منزل والديّ مع والدتي وأخي اللذين ساعداني على رعاية أطفالي. واستمر هذا الوضع الصعب طوال السنوات الثلاث التالية إلى أن أنهى ابني الأكبر دراسته الثانوية وتمكّن من الحصول على منحة جامعية، فأخذ يدرس ويعمل في آن معاً لمساعدتي، وبالفعل عاد التوازن شيئاً ما إلى حياتنا. لكن يمكنني القول بثقة ووضوح، أنني لم أكن الوحيدة التي خاضت هذه الرحلة الصعبة، فقد كان أولادي الذين تتراوح أعمارهم ما بين الـ9 والـ16 عاماً يشاركونني همومي ومعاناتي، فبالإضافة إلى فقدانهم رعاية الأب، كان عليهم التعايش مع وضعنا الجديد، فتعاطفوا معي وقنعوا بالحياة الجديدة التي فرضها القدر عليهم، والتي حرمتهم من الكثير من الأمور والنعم التي كان يتمتع بها غيرهم من الأطفال".

زوجي.. الحاضر الغائب

غير أنّ السيدة رحيل (28 عاماً) تعاني مشكلة من نوع آخر إثر ابتعاد زوجها عن المنزل، فتقول "هاجر زوجي منذ حوالي سبعة أعوام إلى دولة أنغولا الأفريقية بسبب العمل، فتركني وطفليّ التوأم اللذين كانا يبلغان عاماً واحداً من العمر لنعيش بمفردنا تماماً، فعائلتي تعيش في الولايات المتحدة منذ زمن بعيد، وهو فقد والديه منذ سنوات. لذا كنت بشكل أو بآخر المسؤولة الوحيدة عن رعاية طفليّ. فبالرغم من أن زوجي كان يمدنا شهرياً بالمال، إلا أنه كان بمثابة الحاضر الغائب في حياتنا، فقد كنت أجد نفسي في معظم الأوقات وحيدة تماماً لا سيما في الأوقات العصيبة. ولم يكن بوسعي الاستسلام لضعفي، فتماسكت وأصررت على المضي قدماً والاعتياد على نمط حياتي الجديد، وحاولت بكل جهدي أن أكون الأم والأب لولديّ الصغيرين، فكنت أقلهما وحدي إلى المشفى عندما يمرضان، وأحضر بمفردي حفلاتهما المدرسية وأعيادهما، وأشاركهما وحدي لحظاتهما السعيدة منها والحزينة. وقد كان عليّ في كثير من الأحيان اتخاذ معظم القرارات الطارئة التي كانت تخصهما دون حتى استشارة زوجي. وهذا في الواقع قد انعكس سلباً على حياة طفليّ، فهما يعرفان والدهما من خلال صورة في إطار، وبسبب صغر سنهما فإنهما يعجزان عن التواصل معه بشكل يومي عبر الإنترنت، وإن تحدثا إليه، فإنهما يسألانه باستمرار عن موعد عودته ليلعبا معه بالكرة وليرياه رسوماتهما وعن الهدايا التي سيحضرها لهما. لذا كان علي التواجد دوماً إلى جانبهما كي لا يشعرا بالفراغ الكبير الذي يخلّفه غياب الأب عن أسرته. وبالرغم من مشاركتي الدائمة في نشاطاتهما ورحلاتهما إلى أنهما ما زالا يسألان دوماً عن والدهما".

أقوى من الطلاق..

من جهة أخرى، تبدو السيدة مهى (35 عاماً) أكثر تماسكاً بالرغم من صغر سنها وهي تقول "انفصلت عن زوجي بعد مرور 10 أعوام على زواجنا، بعد أن قرر الارتباط بزوجة أخرى وتأسيس عائلة جديدة. لم أتقبل الأمر وطالبت بالطلاق على الفور وهددت باللجوء إلى المحاكم للفوز بحضانة طفليّ عامر وشيرين، إلا أنني فوجئت بموافقته الفورية على الأمر وبتنازله عن حضانة الأطفال دون أيّ مقاومة، الأمر الذي فاجأني وأمدني بالقوة في الوقت نفسه، فشعرت لوهلة أنه ليس هناك أي داع للوقوف على الأطلال وذرف الدموع على علاقة أسرية ما كان سيكتب لها النجاح والاستمرار أصلاً. وبالفعل وقفت بثبات على قدميّ، ورحت أنظر إلى الأمور بإيجابية فأنا أحمل شهادة جامعية بالصيدلة وبات بوسعي مزاولة مهنتي المحببة بعد أن كان زوجي يمنعني من العمل. لم أكترث بالنظرة التي سيرمقني بها بعض الناس، فأنا أعلم جيداً أنّ المطلّقة في مجتمعاتنا عرضة للانتقادات اللاذعة والإشاعات المغرضة. وبالفعل بفضل تصميمي وعزيمتي لم أتأخر في الحصول على عمل في إحدى الصيدليات، كما أنني أنوي خلال الأعوام القليلة القادمة افتتاح صيدلية خاصة بي. وعلى الصعيد النفسي، لن أسمح لغياب الوالد بأن يؤثر على حياة صغيرَي، فلا أحول مطلقاً دون التقائهما باستمرار بوالدهما، ولا أتحدث بتاتاً بالسوء عنه، بل أطلب منهما دوماً التواصل معه واستشارته في أمورهما كافة، كي يشعرا باستمرار أنه لا يزال متواجداً في حياتهما".

تربية الأطفال.. أولويتي

يبدو أن السيدة جواهر (49 عاماً) بدورها قد تأقلمت بنجاح مع واقع حياتها الجديد بعد خسارة زوجها، فتقول: "توفي زوجي منذ أربعة أعوام بعد صراع مع المرض، وقد عشت مع أولادي الأربعة حالة من الحزن الشديد عقب وفاته، إلا أننا والحمد لله كنا محاطين بعائلة كبيرة ومتماسكة، فأنا وزوجي من نسب واحد وعائلة ميسورة. كما أننا في ذلك الوقت كنا نعيش في منزل العائلة الكبير، حيث الأعمام متواجدون مع عائلاتهم، وقد وقفوا جميعاً إلى جانبنا لمواساتنا في مصابنا. كما يحيطون أولادي بالرعاية التامة والدائمة، لذا لم نكن نواجه أي مشكلة على الصعيد المادي. غير أنني كنت أخشى دوماً على أطفالي، فكنت أعمل بجهد من الناحية الاجتماعة على تربيتهم بطريقة سليمة، وأحرص على تلقينهم القيم الاجتماعية والدينية القويمة، فضلاً عن مراقبة تصرفاتهم عن قرب وتصويبها بأسلوب حازم كي لا يحيدوا عن الطريق الصحيح. فمنذ البداية حرصت على أن أفرض وجودي واحترامي لا سيما بعد غياب الوالد وتحملي مسؤولية تربية الأطفال، وكي لا يحسب أبنائي أنه ما من رقيب يحاسبهم على أفعالهم، وأنهم بغياب والدهم سيتمكنون من القيام بما طاب لهم".

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث