لا تردد بعد اليوم

هل تجدين نفسك في حيرة دائمة عندما تتعدّد أمامك الخيارات؟

أتعجزين عن اتخاذ القرار المناسب عندما يتعلّق الأمر بحياتك الشخصية؟

أَحدثَ أن تملكك الشعور بالندم بعد خيار قمت باتخاذه؟

كثير من السيدات حول العالم تعانين من مشكلة التردد، والتي تطال كافة الفئات العمرية. ومن الطبيعي أن يشعر المرء أحياناً بالحيرة، وقد يغوص في تفكير عميق قبل اتخاذ أيّ قرار مهم. لكن عندما يتحوّل اتخاذ القرارات، مهما كانت بسيطة، إلى مهمة صعبة ترافقها نوبات من التوتر والقلق، فإنّ ذلك قد يشير إلى احتمالية وجود مشكلة التي من المستحسن الوقوف عندها لمعرفة أسبابها والاطّلاع على طرق معالجتها. التقت ماري كلير بعدد من سيدات العالم العربي اللاتي تحدّثن عن معاناتهنّ مع مشكلة التردد، كما استشارت أهل الاختصاص في مجال النفس، للتوقف عند أسباب هذه المشكلة والتطرّق إلى سبل التخلّص منها.

مشكلة حقيقية

تشكو الآنسة رغد، وهي شابة في العقد الثاني من العمر، من مشكلة التردد التي ترافقها منذ الطفولة، والتي باتت تؤثّر حتّى في أبسط الأمور في حياتها. وفي هذا الشأن، تقول رغد: "أنا الفتاة المدللة الوحيدة في عائلة ميسورة مكوّنة من ستة أشخاص، وقد اعتدت منذ الصغر أن أحصل على كلّ ما أريد. وكانت والدتي حاضرة دوماً للاعتناء بي، فهي تختار لي ألعابي وتنتقي لي ملابسي، حتى أنّها كانت تُبدي رأيها بأصدقائي وتنصحني برفقة صديقة دون أخرى. ولم أكن أدرك آنذاك أنّني كنت أفقد تدريجياً قدرتي على اتخاذ قراراتي الشخصية وحتى المصيرية منها. فأنا بالطبع لم أختر الجامعة التي أرتادها حتى أنني لم أختر مجال التخصص الجامعي الذي أقوم بدراسته حالياً، فأنا اليوم أدرس الهندسة نزولاً عند رغبة والديّ علماً أنني كنت أعشق الفنون وأهوى الرسم، لكنني في الوقت ذاته لم أتردد للحظة بالانتساب إلى كلية الهندسة لثقتي الكبيرة بأن والديّ يريدان دوماً مصلحتي، ولخوفي من تبعات القرار الذي كنت سأتّخذه. ولا تقتصر تبعات مشكلة التردد التي أعاني منها على القرارات الهامة التي يتوجب عليّ اتخاذها في حياتي، بل على مجمل تفاصيل حياتي اليومية وحتى البسيطة منها. فأنا أمضي وقتاً طويلاً صباح كل يوم أمام خزانة الملابس لاختيار ما سأرتديه، وأقضي وقتاً أطول في اختيار النشاط الذي قد أقوم به في وقت الفراغ، أو الفيلم الذي سأشاهده في المساء."

ترددي أبعد عنّي كلّ من حولي

وتعاني الشابة مهى 28 عاماً من المشكلة نفسها، فهي تشكو من التردد الذي أمسى مشكلة حقيقية تُبعد كلّ من حولها عنها، وتقولفي ذلك: "أذكر جيداً أنني كنت أستشير منذ الصغر كلّ من حولي قبل إقدامي على أيّ أمر أنوي القيام به. وغالباً ما أتبع دوماً الخيار الذي ينصحونني به متخلّية على الفور عن أيّ رأي أو فكرة كانت تراودني. ومع مرور السنوات، بدأت هذه العادة تُفسّر من قبل الآخرين على أنّها مسألة انعدام بالثقة في النفس وضعف في الشخصية. وقد يكون الأمر صحيحاً نوعاً ما، فأنا لم أترأس يوماً مجموعة دراسية، أو أي نادٍ أو فريق جامعي. وقد كنت دوماً الشخص الذي يطلب المساعدة والنصح من الآخرين، في حين أنّ أيّ من صديقاتي لم تعد تتكبّد عناء استشارتي في حل أيّ مشكلة تواجهها، لعلمها المسبق بأنّني سأكتفي بمواساتها ولن يكون لي دوراً أكثر من المواساة. أنا دائماً مترددة، فمثلاً أسأل صديقتي عن الهدية التي ترغب في الحصول عليها في عيد مولدها، لأنني أعجز عن اختيار الهدية بمفردي، وأفوّت بالتالي فرصة مفاجأتها أو القيام بأمر مميز. وفي الواقع هذا الأمر بات يحزنني ويزعجني كثيراً."

تردد غيّر مصيري

ويبدو أنّ مشكلة التردد لا تقتصر على الشابات اليافعات وحدهنّ. فالسيدة سلمى (53 عاماً)، تعاني بدورها من مشكلة التردد، غير أنها تعزو المشكلة إلى اعتيادها على الأمر منذ سنوات طويلة، فتقول: "لطالما كنت في صغري وحتى في ريعان شبابي فتاة مطيعة وقنوعة، إذ لم أكن أجادل في أيّ قرار أو أمر يفرض عليّ. وكنت أقتنع على الفور بكل ما يُملى عليّ، لا سيما من قبل والديّ وإخوتي، وقد كنت أنظر إلى الأمر على أنّه نوع من الثقة المتبادلة والاحترام. وبالفعل، ما إن بلغت السابعة عشرة من العمر حتى أقنعني والديّ بترك الدراسة والقبول بالزواج الذي عُرض عليّ. فاستمر اتكالي على الآخرين في اتخاذ القرارات المصيرية حتى بعد الزواج. إذ ارتبطت بشخص يكبرني بأحد عشر عاماً، وقد اعتدت على رؤيته طوال الأعوام الماضية يتّخذ القرارات التي تخص عائلتنا وأولادنا نيابة عني. وربما أتحمل جزءاً من المسؤولية في هذه المشكلة، إذ لم أكن أُبدي أيّ اعتراض على ذلك. لكنني اليوم، كلما نظرت إلى فتياتي الثلاث اللاتي نجحن في تكوين شخصياتهنّ المستقلة وبناء حياتهن بثقة، أشعر بالندم على الكثير من الأمور التي فاتني المشاركة فيها، وأتساءل عما كانت ستؤول إليه الأمور لو أكملت دراستي وتُركت لي حرية الاختيار."

أقوى من التردد

من جهة أخرى، نجحت السيدة أنغام (33 عاماً) في التخلص من مشكلة التردد التي كانت تعاني منها في الصغر، وذلك بمساعدة والدتها، وهي تقول في ذلك: "نشأت في عائلة محبة ومترابطة، وقد كنت منذ صغري، فتاة حيوية وذات شخصية قوية وبارزة، إلا أنني وللأسف فقدت والدي الذي كان يدعمني في سن مبكرة، فمررت بفترة عصيبة وفقدت الكثير من سمات الاعتداد بالنفس، وازداد تعلقي بوالدتي وبت أرافقها على الدوام، وأطلب مشورتها في كافة الأمور حتّى البسيطة منها، إلا أنّ والدتي كانت تعي جيداً أثر هذه الحادثة على شخصيتي، فتداركت الأمر منذ البداية. وراحت تتركني أقرر بنفسي الملابس التي أرتديها، والأغراض التي أشتريها، والأصدقاء الذين أرافقهم، وحتى الخيارات التي أتخذها، وكانت تكتفي بتصويب خياراتي من دون التأثير عليها.

كما كانت تردد على مسامعي دوماً بأنّ على المرء أن يختبر في هذه الحياة النجاح كما الفشل، وألا يهدر الوقت في التفكير المفرط في كل خطوة يقوم بها كي لا يغرق في دوامة من التوتر والحزن والقلق. ولهذا، فإنني اليوم أتكل على الله في كل ما أقوم به، وأتّخذ القرار الذي يمليه عليّ عقلي وإحساسي من دون أيّ تردد. علماً بأنني ما زلت أُطلع والدتي على القرارات التي أتخذها لا لرغبة مني في تغيير هذه القرارات، بل للإطلاع على رأيها والاستفادة من خبرتها الواسعة في الحياة".

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث